وأما لفظ ﴿ مِنْ ﴾ فيشير إلى أن الخلق والتوفيق في اهتدائهم -المكسوبِ لهم- من الله. (51)
وأما لفظ ال«رب» فيشير إلى أن الهداية من شأن الربوبية؛ فكما يربّيهم بالرزق يغذّيهم بالهداية.
﴿ وَاُو۬لٰٓئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾
اعلم أن مظانّ تحري النُكت هي: عطفُ «الواو»، ثم تكرار ﴿ اُو۬لٰٓئِكَ ﴾ ، ثم «ضمير الفصل»، ثم الألف واللام، ثم إطلاق «مفلحون» وعدمُ تعيين وجه الفلاح.
أما العطف فمبنيٌّ على المناسبة؛ إذ كما أن ﴿ اُو۬لٰٓئِكَ ﴾ الأولَ إشارة إلى ثمرة الهداية من السعادة العاجلة؛ فهذا إشارةٌ إلى ثمرتها من السعادة الآجلة. ثم إنه مع أن كلاًّ منهما ثمرةٌ لكلِّ ما مرَّ، إلّا أن الأولى أنّ ﴿ اُو۬لٰٓئِكَ ﴾ الأول يرتبط عِرْقُه ب ﴿ اَلَّذ۪ينَ ﴾ الأولِ، الظاهر أنهم المؤمنون من الأميين، ويأخذ قوتَه من أركان الإسلامية، وينظر إلى ما قبل ﴿ وَبِالْاٰخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ﴾ . و ﴿ اُو۬لٰٓئِكَ ﴾ الثاني ينظر برمز خفي إلى ﴿ اَلَّذ۪ينَ ﴾ الثاني، الظاهر أنهم مؤمنو أهل الكتاب. ويكون مأخذُه أركان الإيمان واليقين بالآخرة. فتأمل!
وأما تكرار ﴿ اُو۬لٰٓئِكَ ﴾ فإشارةٌ إلى استقلال كلٍّ من هاتين الثمرتين في العلّة الغائية للهداية والسببية لتميّزهم ومدحِهم، إلّا أن الأولى أن يكون ﴿ اُو۬لٰٓئِكَ ﴾ الثاني إشارةً إلى الأول مع حكمه كما تقول: ذلك عالمٌ وذلك مكرَّم.
وأما ضميرُ الفصل فمع أنه تأكيدُ الحصر الذي فيه تعريضٌ بأهل الكتاب الذين لم يؤمنوا بالنبيّ عليه السلام، فيه نكتةٌ لطيفة وهي: أن توسُّط ﴿ هُم ﴾ بين المبتدأ والخبر من شأنه أن
Yükleniyor...