للتنكير، أي التعامي حجابٌ غيرُ معروف حتى يُتَحفَّظ منه.. قدّم ﹛﴿ وَعَلٰٓى اَبْصَارِهِمْ ﴾|﹜ ليوجّه العيونَ إلى عيونهم، إذ العين مرآةُ سرائر القلب.

وأما ﹛﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظ۪يمٌ ﴾|﹜ فاعلم أنه كما أشار بالكلمات السابقة إلى حنظلات تلك الشجرة الملعونة الكفرية في الدنيا؛ كذلك أشار بهذه إلى حنظلة جانبها الممتد إلى الآخرة وهي زقّومُ جهنّم..

ثم إن سجية الأسلوب تقتضي «وعليهم عقاب شديد». ففي إبدال ﹛﴿ عَلٰى ﴾|﹜ باللام و«العقاب» بالعذاب و«الشديد» بالعظيم، مع أن كلا منها يليق بالنعمة رمزٌ إلى نوعِ تهكّم توبيخيّ تعريضيّ؛ كأنه ينعي بهم: ما منفعتُهم، ولا لذتُهم، ولا نعمتُهم العظيمة إلَّا العقابُ؛ نظير «تَحِيَّةُ بَيْنِهمْ ضَرْبٌ وَجِيع». (84) و ﹛﴿ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ اَل۪يمٍ ﴾|﹜ (آل عمران:٢١).

إذ اللام لعاقبة العمل وفائدتِه. فكأنه يتلو عليهم: «خذوا أُجرة عملكم».

وفي لفظ ال«عذاب» رمزٌ خفي إلى أن يذكّرَهم استعذابَهم واستلذاذَهم بالمعاصي في الدنيا فكأنه يقرأ عليهم «ذوقوا مرارةَ حلاوتكم».

وفي لفظ ال«عظيم» إشارةٌ خفية إلى تذكيرهم حالَ صاحبِ النعمة العظيمة في الجنة فكأنه يلقّنهم: انظروا إلى ما ضيَّعتم على أنفسكم من النعمة العظيمة، وكيف وقعتُم في الألم الأليم. ثم إن ﹛﴿ عَظ۪يمٌ ﴾|﹜ تأكيد لتنوين ﹛﴿ عَذَابٌ ﴾|﹜ .

⦁ إن قلت: إنَّ معصية الكفر كانت في زمانٍ قليل والجزاءُ أبديٌّ غيرُ متناهٍ، فكيف ينطبق هذا الجزاءُ على العدالة الإلهية؟ وإنْ سُلِّم، فكيف يوافق الحكمةَ الأزلية؟ وإن سُلِّم، فكيف تساعده المرحمةُ الربانية؟

قيل لك: مع تسليم عدم تناهي الجزاءِ، إن الكفر في زمان متناهٍ جنايةٌ غيرُ متناهية بستِّ جهات:

منها: أن من مات على الكفر لو بقي أبداً لكان كافراً أبداً لِفَساد جوهر روحِه، فهذا القلبُ الفاسد استعدَّ لجناية غير متناهية.


Yükleniyor...