قيل لك: لأنه قوبل بما فاقَه بدرجات كثيرة. ألا ترى أن شخصاً -ولو كان حسناً- إذا قوبل بيوسف عليه السلام لصار قبيحاً ولو كان مليحاً. فثبت أن المعارضة لا يمكن؛ فالقرآن معجِز.
⦁ فإن قلت: للمرتابين كثيرٌ من الاعتراضات والشكوك على تراكيب القرآن وكلماته مثل: ﴿ اِنْ هٰذَانِ ﴾ (طه:٦٣) و ﴿ وَالصَّابِؤُ۫نَ ﴾ (المائدة:٦٩) و ﴿ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا ﴾ وأمثالها من الاعتراضات النحوية؟
قيل لك: عليك بخاتمة مفتاح السكاكي فإنه ألقَمهم الحجر ب«أفلا يتفطنون أنّ من كررَ كلامَه في زمان مديد مع أنه فصيح بالاتفاق كيف لا يُحس بالغلطات التي تَظهر لنظر هؤلاء الحُمَقَاء»؟.
⦁ أما الوجه الثاني لنظم الآية: فاعلم أن الآية السابقة لمّا أمرت بالعبادة استَفسر ذهنُ السامع ب«على أية كيفية نعبدُ»؟ فكأنه أجاب: «كما علّمكم القرآن». فعاد سائلاً: «كيف نعرف أنه كلام الله تعالى؟» فأجاب بقوله: ﴿ وَاِنْ كُنْتُمْ ف۪ي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلٰى عَبْدِنَا... ﴾ الخ.
أما نظم الجمل بعضها مع بعض فهو: أن جملةَ ﴿ وَاِنْ كُنْتُمْ ف۪ي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلٰى عَبْدِنَا ﴾ قد وقعتْ في موقعها المناسب؛ إذ لمّا أمر القرآنُ بالعبادة كأنه سُئل: كيف نعرف أنه أمرُ الله حتى يجب الامتثال؟ فقيل له: إن ارتبتَ فجرِّب نفسك لتتيقن أنه أمرُ الله.
ومن وجوه النظم أيضاً أن القرآن لما أثنى على نفسه بجملةِ ﴿ ذٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ف۪يهِ هُدًى لِلْمُتَّق۪ينَ ﴾ ثم استتبع مدحه مدح المؤمنين، ثم استطرد مدح المؤمنين ذمّ الكافرين والمنافقين، ثم استعقب الأمر بالعبادة والتوحيد.. عاد القرآنُ إلى الأول بالنظر إلى ﴿ لَا رَيْبَ ف۪يهِ ﴾ أي أما القرآن فليس قابلاً للشك والريب؛ فما ريوبكم إلّا مِن مرض قلوبكم وسقامةِ طبعكم. كما:
قَدْ يُنْكَرُ ضَوْءُ الشَّمْسِ مِنْ رَمَدٍ وَيُنْفَرُ طَعْمُ اْلماءِ مِنْ سَقَمٍ (169)
Yükleniyor...