بحسيّاته المسمى ب«التنزّلات الإلهية إلى عقول البشر» للتأنيس.. ألَا تراك إذا حاورتَ مع صبيّ تتصبّى له؟

⦁ فإن قلت: إنَّ حقارة الأشياء وخساستها تنافي عظمةَ القدرة ونزاهةَ الكلام؟

قيل لك: إنَّ الحقارةَ والخساسة والقُبح وأمثالَها إنما هي بالنظر إلى مُلك الأشياء وجهتِها الناظرة إلينا وبالنظر إلى نظرنا السطحي، وقد وُضعَت الأسبابُ الظاهرية للتوسط في هذه الجهة لتنزيه العظمةِ، وأما بالنظر إلى ملكوتية الأشياء فكلُّها شفّافةٌ عالية، وهذه الجهة هي محلُّ تعلّق القدرة، لا يخرج من التعلّق شيءٌ؛ فكما اقتضت العظمةُ وضعَ الأسباب في الظاهر، كذلك تستلزم الوحدةُ والعزة شمولَ القدرة لكلٍّ وإحاطةَ الكلام به؛ على أن القرآنَ المكتوبَ على ذرّة بالجواهر الفردة ليس بأقلَّ جزالةً من القرآن المكتوب على صحيفة السماء بمِداد النجوم، وأن خِلقةَ الذباب ليست بأدنى صنعاً من خِلقة الفيل. فالكلام كالقدرة.

⦁ فإن قلت: إلى أيّ شيء تعود الحقارةُ الظاهرية في هذه التمثيلات؟

قيل لك: إنما تعود إلى الممثَّل له دون الممثِّل، فكلما كانت مطابقتُه للممثَّل له أحسنَ، كانت درجةُ الكلام أعلى ونظام البلاغة أرفع. ألا ترى أن السلطان إذا أعطى راعيه ما يليق به من اللباس وألقى إلى الكلب ما يشتهيه من العظم.. الخ، لا يقال إنه فعلَ بدعةً، بل يقال إنه أحسن بوضع كل شيء في موضعه. فإذن كلما كان الممثَّل له حقيراً كان مثالُه حقيراً، وإن كان عظيماً فعظيماً. ولما كانت الأصنام أدنى الأمور سلَّط الله الذبابَ على رؤوسها. ولما كانت عبادتُها أهونَ الأشياء جعل الله تعالى نسجَ العنكبوت عنوانها.

وثالثة المغالطات: أنهم يقولون ما الحاجة إلى أمثال هذه التمثيلات المومِئَة إلى العجز عن إظهار الحقيقة؟.

الجواب: لما كان المقصد من إنزال التنزيل إرشادَ الجمهور، والجمهورُ عوامُّ، والعوام لا يرون الحقائق المحضة والمجرداتِ الصرفة عراةً عن متخيلاتهم، ألبَس الله تعالى بلُطفه وإحسانه الحقائقَ لباسَ مألوفاتهم لتحسن ألفتهم كما عرفتَ في سرّ المتشابهات.

أما نظم الجمَلِ بعضٍ مع بعضٍ، فاعلم أن ﹛﴿ اِنَّ اللّٰهَ لَا يَسْتَحْي۪ٓ اَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا|﹜


Yükleniyor...