ومن الشعر:

والليلُ تَجري الدَّراري في مَجَرَّتِه كالروضِ تطفو على نهرِ أزاهره (106)

اعلم أن في كل آية من هذه الآيات التمثيلية طبقاتٍ ومراتبَ وصوراً وأساليبَ متنوعة. كلٌّ منها -في كلٍّ منها- كفيلٌ وضامن لطائفة من الحقائق. وكما أنك إذا أخذتَ قواريرَ من فضةٍ وزيَّنتها بذَوب الذهب، ثم نقشتَها بجواهرَ، ثم صيّرتَها ذوات نور (107)بإدراج «الألكتريق» (108)ترى فيها طبقاتِ حُسنٍ وأنواعَ زينةٍ؛ كذلك في كلٍّ من تلك الآيات من المقصد الأصليّ إلى الأسلوب التمثيليّ قد شُرِعَت إشاراتٌ ومُدّت رموزٌ إلى مقامات كأن أصلَ المقصد تدحرجَ على المراتب وأخذ من كلٍّ لوناً وحصةً حتى صارت تلك الكلماتُ من جوامع الكلماتِ بل من جَمعِ الجوامع.

فصل ومقدمة

اعلم أن المتكلم كما يفيد المعنى ثم يُقْنِع العقلَ بواسطة الدليل؛ كذلك يلقي إلى الوجدان حسِّياتٍ بواسطة صوَر التمثيل، فيحرّك في القلب المَيلَ أو النَّفرةَ ويهيئُه للقبول. فالكلام البليغ، ما استفاد منه العقلُ والوجدانُ معاً، فكما يتداخل إلى العقل يتقطّر إلى الوجدان أيضاً. والمتكفِّل لهذين الوجهَين التمثيلُ؛ إذ هو يتضمن قياساً وينعكس به في مرآة الممثَّلِ القانونُ المندمج في الممثّل به. فكأنه دعوى مدلَّل. كما تقول في رئيس يكابد البلايا لراحة رعيته: «الجبل العالي يتحمّل مشاقّ الثلج والبَرَد، وتخضرّ من تحته الأوديةُ».

ثم إن أساس التمثيل هو التشبيه. ومن شأن التشبيه تحريكُ حسّ النَّفرة أو الرَّغبة أو الميلان أو الكراهية أو الحيرة أو الهيبة؛ فقد يكون للتعظيم أو التحقير أو الترغيب أو التنفير أو التشويه أو التزيين أو التلطيف إلى آخره... فبصورةِ الأسلوب يُوقَظ الوجدانُ وينبَّه الحسُّ بميلٍ أو نَفرة.


Yükleniyor...