وجاه». فبحكم الغرور يحيلون الناصح على إنصافه. وبحكم الخداع والحيلة يتكلمون بكلام ذي لسانين، أي أيها المرشد! لا تظننا سفهاء، ولا نكون كالسفهاء في نظركم، بل نفعل كما يفعل المؤمنون الخلّص. مع أن مرادَهم باطناً: لا نكون كهؤلاء المؤمنين الفقراء؛ إذ لا اعتداد بهم في نظرنا. ففي هذا اللفظ رمز خفيّ إلى فسادهم وإفسادهم وغرورهم ونفاقهم..

﹛﴿ كَمَٓا اٰمَنَ السُّفَهَٓاءُ ﴾|﹜ أي الذين تظنونَهم الناسَ الكاملين هم في نظرنا أذلاءُ فقراء مجبورون مع كثرتهم، كلٌّ منهم سفيهُ قومٍ. ففي دعواهم الفرقَ في القياس إشارة إلى أن الإسلامية كهفُ المساكين وملجأ الفقراء وحاميةُ الحق وحافظة الحقيقة ومانعة الغرور وقامعةُ التكبّر، وما مقياس الكمال والمجد إلّا هي.. وأيضاً في الفرق إشارةٌ إلى أن سبب النفاق في الأغلب هو الغرضُ والغرور والتكبر كما يفسره: ﹛﴿ وَمَا نَرٰيكَ اتَّبَعَكَ اِلَّا الَّذ۪ينَ هُمْ اَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ ﴾|﹜ (هود:٢٧). وأيضاً في الفرق إشارةٌ خفية إلى أن الإسلامية لا تصير وسيلةَ التحكم والتغلب في أيدي أهل الدنيا والجاه؛ بل إنما هي واسطة لإِحقاق الحق في أيادي أهل الفقر والضرورة خلافَ سائر الأديان. ويشهد على هذه الحقيقة التاريخُ.

أما جملة ﹛﴿ اَلَٓا اِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَٓاءُ ﴾|﹜ فاعلم أن القرآن إنما أكثرَ من التشديد والتشنيع على النفاق لأجل أن أكثر بليات العالم الإسلامي من أنواع النفاق.. ثم إن لفظ ﹛﴿ اَلَٓا ﴾|﹜ للتنبيه وتشهير سفاهتهم على رؤوس الأشهاد، ولاستشهاد فكر العموم على سفاهتهم. وأصلُ معنى ﹛﴿ اَلَٓا ﴾|﹜ ألا تعلمون أنهم سفهاء؟ أي فاعلموا.. ثم إن «إنَّ» مرآةُ الحقيقة ووسيلةٌ إليها، كأنه يقول: راجعوا الحقيقة لتعلموا أن سفسطتهم الظاهرية لا أصل لها. ثم لفظ «هُم» للحصر لردّ تبرئة أنفسهم، ودفع تسفيههم للمؤمنين الذي أشاروا إليه ب ﹛﴿ كَمَٓا اٰمَنَ السُّفَهَٓاءُ ﴾|﹜ . أي إن السفيه مَن ترك الآخرة بالغرور والغرض واللذة الفانية دون مَن اشترى الباقي بترك الهوسات (102)الفانية. ثم إن الألف واللام في ﹛﴿ السُّفَهَٓاءُ ﴾|﹜ لتعريف الحُكم أي معلومٌ أنهم سفهاء. وللكمال أي كمال السفاهة فيهم.

أمّا: ﹛﴿ وَلٰكِنْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾|﹜ ففيه إشارات ثلاث:

إحداها: أنَّ تمييز الحق عن الباطل وتفريقَ مسلك المؤمنين عن مسلكهم محتاجٌ إلى


Yükleniyor...