﴿ اِنَّ الَّذ۪ينَ كَفَرُوا سَوَٓاءٌ عَلَيْهِمْ ءَاَنْذَرْتَهُمْ اَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ٦ ﴾

وجه النظم:

اعلم أن للذات الأحديِّ في عالَم صفاته الأزلية تجلِّيَيْن جلاليٌّ وجماليّ. فبتجليهما في عالم صفات الأفعال يتظاهر اللطفُ والقهرُ والحُسن والهيبة. ثم بالانعطاف في عالَم الأفعال يتولد التحليةُ والتخلية والتزيينُ والتنزيه. ثم بالانطباع في العالم الأُخروي من عالم الآثار يتجلى اللطفُ جَنَّةً ونوراً، والقهرُ جهنمَ وناراً. ثم بالانعكاس في عالم الذِكر ينقسم الذكرُ إلى الحمد والتسبيح. ثم بتمثّلهما في عالَم الكلام يتنوع الكلام إلى الأمر والنهي. ثم بالارتسام في عالم الإرشاد يقسمانه إلى الترغيب والترهيب والتبشير والإنذار. ثم بتجليهما على الوجدان يتولد الرجاءُ والخوف.. وهكذا. ثم إن من شأن الإرشاد إدامةَ الموازنة بين الرجاء والخوف، ليدعوَ الرجاءُ إلى أن يسعى بصرف القوى، والخوفُ إلى أن لا يتجاوز بالاسترسال فلا ييأسَ من الرحمة فيقعد ملوماً، ولا يأمَنَ العذابَ فيتعسفَ ولا يباليَ. فلهذه الحكمة المتسلسلةِ ما رغّب القرآنُ إلّا وقد رهَّبَ، وما مدحَ الأبرارَ إلّا وقرَنَه بذمّ الفجار.

⦁ إن قلت: فلِمَ لم يعطف هنا كما عطف في ﹛﴿ اِنَّ الْاَبْرَارَ لَف۪ي نَع۪يمٍ ❀ وَاِنَّ الْفُجَّارَ لَف۪ي جَح۪يمٍ ﴾|﹜ (الانفطار:١٣-١٤) ؟

قيل لك: إنَّ حُسن العطف ينظر إلى حُسن المناسبة، وحُسن المناسبة يختلف باختلاف الغرض المَسوق له الكلامُ. ولما اختلف الغرضُ هنا وهنالك، لم يُستحسن العطفُ هنا؛ إذ مدحُ المؤمنين منجرّ ومقدمةٌ لمدح القرآن، ونتيجةٌ له، وسِيق له. وأما ذمُّ الكافرين فللترهيب لا يتصل بمدحِ القرآن.

ثم انظر إلى اللطائف المندمجة في نظم أجزاء هذه الآية:

فأولاً: استأنِس ب ﹛﴿ اِنَّ ﴾|﹜ و ﹛﴿ اَلَّذ۪ينَ ﴾|﹜ فإنهما أجْوَلُ وأسْيَرُ ما يصادفك في منازل التنزيل. ولأمرٍ مّا أكثر القرآنُ من ذكرهما؛ إذ معهما من جوهر البلاغة نكتتان عامّتان غيرُ ما تختصّ كلَّ موقع.


Yükleniyor...