والخامسة: أنه:

إن قلت: هذه الآيات مع آيات أُخر تشير إلى أن هذه الدنيا العظيمة مخلوقة لأجل البشر وجُعل استفادته علّة غائية لها. والحال أن زُحلَ الأكبرَ من الأرض ليست فائدتها بالنسبة إلى البشر إلّا نوعَ زينة وضياء ضعيف فكيف يكون علة غائية؟

قيل لك: إن المستفيد يفنى في جهة استفادته وينحصر ذهنُه في طريقها وينسى ما عداها وينظر إلى كل شيء لنفسه ويحصر العلة الغائية على ما يتعلق به. فإذن لا مجازفة في الكلام الموجَّه إلى ذلك الشخص في مقام الامتنان بأن يقال: إن زَحَل -الذي أبدعه خالقُه لألوفِ حِكَمٍ، وفي كل حكمة ألوفُ جهاتٍ، وفي كل جهة ألوفُ مستفيدٍ- العلةُ الغائية في إبداعه جهة استفادة ذلك الشخص.

والسادسة: -وقد نبهتُ عليه- أن الإنسان وإن كان صغيراً فهو كبير، فنفعُه الجزئيّ كليّ، فلا عبثية.

المسألة الثانية في ﹛﴿ ثُمَّ ﴾|﹜ :

اعلم أن هذه الآية تدل على أن خلق الأرض قبل السماء، وأن آيةَ ﹛﴿ وَالْاَرْضَ بَعْدَ ذٰلِكَ دَحٰيهَا ﴾|﹜ (النازعات:٣.) تدل على أن خلق السماء قبل الأرض، وأن آية: ﹛﴿ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ﴾|﹜ (الأنبياء:٣.) تدل على أنهما خُلقتا معا وانشقتا من مادة.

واعلم ثانيا: أن نقليات الشرع تدل على أن الله تعالى خَلَق أوّلاً جوهرةً -أي مادة- ثم تجلى عليها فجعل قسما منها بخارا وقسما مائعا. ثم تكاثف المائع بتجلِّيه فأزبَد. ثم خَلق الأرضَ أو سبع كُرات من الأرضين من ذلك الزبد، فحصل لكل أرض منها سماء من الهواء النسيميّ. ثم بسَط المادة البخارية فسوّى منها سماوات زَرَع فيها النجومَ فانعقدت السماوات مشتملة على نويات النجوم. وإن فَرَضيات الحكمة الجديدة ونظرياتها تحكم بأن المنظومة الشمسية أي مع سمائها التي تسْبَح فيها كانت جوهرا بسيطا ثم انقلب إلى نوعِ بخار، ثم تحصّل من البخار مائعٌ ناريّ، ثم تصلّب -بالتبرد- منه قسمٌ، ثم ترامى ذلك المائع الناري بالتحرك شراراتٍ وقطعاتٍ انفصلت فتكاثفت فصارت سيّاراتٍ، منها أرضنا هذه.


Yükleniyor...