الالتفات إلى غيرك. فالواو للجمع بين الفضيلتين، أي امتثال الأوامر واجتناب النواهي، فيكون حِذاء الواو الأول.

وأما هيئات: ﹛﴿ قَالَ اِنّ۪ٓي اَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾|﹜ :

فاستينافها إشارة إلى السؤال ب«ماذا قال الله تعالى مجيباً لاستفسارهم، وكيف بَيَّنَ السبب مزيلاً لتعجّبهم، وما الحكمة في ترجيح البشر عليهم؟» فقال: ﹛﴿ قَالَ ﴾|﹜ مشيراً إلى جوابٍ إجماليٍّ ثم فصّل بعضَ التفصيل بالآية التالية.

و«إن» في ﹛﴿ اِنّ۪ٓي اَعْلَمُ ﴾|﹜ للتحقيق وردِّ التردد والشبهة، وهو إنما يكون في حكمٍ نظريٍ ليس بمسلَّم مع بداهةِ ومسلّميةِ علمِ الله تعالى بما لا يعلم الخلقُ، وحاشاهم عن التردد في هذا، فحينئذ يكون ﹛﴿ اِنَّا ﴾|﹜ مناراً على سلسلةِ جُمَل لخّصها القرآنُ وأجملَها وأوجزَها بطريق بيانيّ مسلوك. أي إن في البشر مصالحَ وخيراً كثيراً تُغمَر في جنبها معاصيه التي هي شرٌ قليل، فالحكمةُ تنافي تركَ ذلك لهذا. وإن في البشر لسراً أهّله للخلافة غفلتْ عنه الملائكة وقد علّمه خالقُه.. وإن فيه حكمةً رجّحته عليهم لا يعلمونها ويعلمُها مَن خلق. وأيضاً قد يتوجه معنى ﹛﴿ اِنَّا ﴾|﹜ إلى الحكم الضمني المستفاد من واحد من قيودِ مدخولها أي لا تعلمون بالتحقيق.

وأيضاً ﹛﴿ اَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾|﹜ من قبيل ذكر اللازم وإرادة الملزوم، أي يوجد ما لا تعلمون، إذ علمُه تعالى لازم لكل شيء، فنفيُ العلم دليل على عدم المعلوم، كما قال تعالى: ﹛﴿ بِمَا لَا يَعْلَمُ ﴾|﹜ (يونس:١٨) أي لا يمكن ولا يوجد، ووجود العلم دليل على وجود المعلوم.. ثم إنه قد ذكر في تحقيق هذا الجواب الإجمالي أن الله عليم حكيم، لا تخلو أفعالُه تعالى عن حِكم ومصالحَ، فالموجوداتُ ليست محصورةً في معلومات الخلق. فعدمُ العلم لا يدل على العدم، وأن الله تعالى لمّا خلق الخير المحض أعني الملائكة، والشر المحض أعني الشياطين، وما لا خير عليه ولا شر أعني البهائم، اقتضت حكمة الفيّاض المطلق وجودَ القسم الرابع الجامع بين الخير والشر. إن انقادت القوةُ الشهوية والغضبية للقوة العقلية فاق البشرُ على الملائكة بسبب المجاهدة، وإن انعكست القضية صار أنزلَ من البهائم لعدم العذر.

∗ ∗ ∗


Yükleniyor...