﹛﴿ اَتَجْعَلُ ف۪يهَا ﴾|﹜، وبسر استخلافهم عن الجن المفسِدين مع توديع القوة الغضبية والشهوية فيهم أيضا إلى ﹛﴿ مَنْ يُفْسِدُ ف۪يهَا ﴾|﹜ بتجاوز القوة الثانية: ﹛﴿ وَيَسْفِكُ الدِّمَٓاءَ ﴾|﹜ بتجاوز القوة الأولى.. ثم بعد تمام السؤال والاستفسار والتعجب ينتظر ذهنُ السامع لجوابه تعالى. فقال: ﹛﴿ قَالَ اِنّ۪ٓي اَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾|﹜ أي فالأشياء ليست منحصرةً في معلوماتكم، فعدمُ علمِكم ليس أمارةً على العدم، وإني حكيم، لي فيهم حكمةٌ يُغتَفر في جنبها فسادُهم وسفكُهم.

أما نظم هيئات جملة جملة، فاعلم أن الواو في: ﹛﴿ وَاِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلٰٓئِكَةِ اِنّ۪ي جَاعِلٌ فِي الْاَرْضِ خَل۪يفَةً ﴾|﹜ وكذا في: ﹛﴿ وَاِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلٰٓئِكَةِ اِنّ۪ي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ ﴾|﹜ (الحجر:٢٨) في آية أخرى -بسر المناسبة العطفية- إشارة إلى «إذ، وإذ» كما مرَّ. وكذا -بسر أن الوحي يتضمن «ذَكِّرهم بذلك»- إشارة إلى «واذكر لهم إذ...» الخ.

وأن ﹛﴿ اِذْ ﴾|﹜ المفيدَ للزمان الماضي لتسيير الأذهان في الأزمنة المتسلسلة الماضوية ورفْعٍ وجلبٍ وإحضار لها إلى ذلك الزمان (217)لتنظرَه فتجتنيَ ما وقع فيه.

وأن ﹛﴿ رَبُّكَ ﴾|﹜ إشارة إلى الحجة على الملائكة، أي ربّاك وكمّلك وجعَلك مرشداً للبشر لإزالة فسادهم أي «أنت الحسنة الكبرى التي ترجّحتْ وغطّتْ على تلك المفاسد».

وأن ﹛﴿ لِلْمَلٰٓئِكَةِ ﴾|﹜ إشارة في هذه المقاولة الكائنة على صورة المشاورة إلى أن لسكان السماوات -أعني الملائكة- مزيدَ ارتباط وعلاقة، وزيادةَ مناسبة مع سكان الأرض -أعني البشر-، فإن من أولئك موكلين وحَفَظة وكَتَبَة على هؤلاء، فحقُّهم الاهتمام بشأنهم.

وأن «إنّ» بناء على كونها لردّ التردد المستفاد من ﹛﴿ اَتَجْعَلُ ﴾|﹜ إشارة إلى عظمة المسألة وأهميتها.

وأن ياء المتكلم وحده هنا مع ﹛﴿ نَا ﴾|﹜ للمتكلم مع الغير في ﹛﴿ قُلْنَا ﴾|﹜ في الآيات الآتية إشارة إلى أنْ لا واسطة في إيجاده وخلقه كما توجد في خطابه وكلامه. ومما يدل على هذه النكت آيةُ ﹛﴿ اِنَّٓا اَنْزَلْنَٓا اِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَٓا اَرٰيكَ اللّٰهُ ﴾|﹜ (النساء:١.٥)؛ فقال: ﹛﴿ اَنْزَلْنَٓا ﴾|﹜ بنون العظمة لوجود الواسطة في الوحي، وقال : ﹛﴿ اَرٰيكَ اللّٰهُ ﴾|﹜ مفردا لعدم الواسطة في إلهام المعنى.


Yükleniyor...