أما نظم هيئاتِ جملةٍ جملةٍ:

فجملة: ﴿ وَبَشِّرِ الَّذ۪ينَ اٰمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ الواو فيها -بسرّ المناسبة بين المتعاطفَين- إشارة إلى «أنذر» الذي يتقطّر من أنف السابقة.. وأما ﴿ بَشِّرِ ﴾ فرمز إلى أن الجنة بفضله تعالى لا واجب عليه.. وكذا إلى أن لابد أن لا يكون العملُ لأجل الجنة.. وأما صورةُ الأمر في ﴿ بَشِّرِ ﴾ فإيماء إلى «بلّغ مبشراً» فإنه مكلَّف بالتبليغ..

وأما ﴿ الَّذ۪ينَ اٰمَنُوا ﴾ بدل «المؤمنين» الأقصرِ، فتلويحٌ إلى ﴿ اَلَّذ۪ينَ ﴾ الذي مرّ في رأس السورة ليكون تفصيلُه هناك مبيِّنا لما أجمل هنا.

وأما إيراد ﴿ اٰمَنُوا وَعَمِلُوا ﴾ على صيغة الماضي هنا، مع إيراد ﴿ يُؤْمِنُونَ ﴾ و ﴿ يُنْفِقُونَ ﴾ هناك بصيغة المضارع فللإشارة إلى أن مقامَ المدح والتشويق على الخدمة شأنُه المضارع. وأما مقامُ المكافأة والجزاء فالمناسب الماضي، إذ الأجرة بعد الخدمة..

وأما واو ﴿ وَعَمِلُوا ﴾ فإشارة -بسرّ المغايرة- إلى أن العمل ليس داخلاً في الإيمان كما قالت المعتزلة. وإلى أن الإيمان بغير عمل لا يكفي. ولفظُ العمل رمز إلى أن ما يُبشَّر به كالأجرة..

أما ﴿ الصَّالِحَاتِ ﴾ فمُبهَمة ومُجمَلة. قال «شيخ محمد عبده المصريّ»(∗): الإطلاق هنا حوالة على الاشتهار وتعارفِ الصالحات بين الناس. أقول: وكذا أُطلقت اعتماداً على رأس السورة.

وأما جملة ﴿ اَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْر۪ي مِنْ تَحْتِهَا الْاَنْهَارُ ﴾ :

فاعلم أن هيئاتها -مِن تحقيق ﴿ اَنَّ ﴾ ، وتخصيصِ «اللام»، وتقديمِ ﴿ لَهُمْ ﴾ ، وجمعِ «الجنة»، وتنكيرِها، وذكر الجريان، وذِكرِ ﴿ مِنْ ﴾ مع «تَحْتِ»، وتخصيصِ «نهر» (185)وتعريفِه- تتعاون وتتجاوب على إمداد الغرض الأساسيّ؛ الذي هو السرور ولذةُ المكافأة، كالأرض النّشِفة الرطبة؛ ترشح بجوانبها الحوضَ المركزيّ... لأن ﴿ اَنَّ ﴾ إشارةٌ إلى أن البشارة بما هو في هذه الدرجة من العظمة يتردد فيها العقلُ فتحتاج إلى التأكيد.. وأيضاً من شأن مقام

 /  
284
Yükleniyor...