مع قوانين الفطرة، ومناسبةٌ مع روابط الهيئة الاجتماعية. وإلّا أجابته الفطرةُ بعدم الموفَّقية جوابَ إسكات..

وأيضاً مَن تحرك بمسلك في الهيئة الاجتماعية يلزمه أن لا يخالفَ حركة الجريان العموميّ. وإلّا طيّرَه ذلك الدولابُ عن ظهره فيسقط في يده. فإذن مَن ساعده التوفيقُ في ذلك الجريان كمحمّد عليه السلام يثبت أنه متمسكٌ بالحق.

فإذا تفهمت هذا، تأمل في حقائق الشريعة مع تلك المصادمات العظيمة والانقلابات العجيبة، وفي هذه الأعصار المديدة تَرَها قد حافظتْ على موازنة قوانينِ الفطرة وروابطِ الاجتماعيات اللاتي بدقتها لا تتراءى للعقول مع كمال المناسبة والمصافاة معها. فكلما امتدّ الزمانُ تظاهرَ الاتصال بينها. ويتظاهر من هذه الحالة؛ أن الإسلامية هي الدين الفطريّ لنوع البشر وأنها حقٌ، لهذا لا ينقطع وإن رَقَّ. ألا ترى أن الترياق الشافي للسموم القاتلة في الهيئة الاجتماعية إنما هو أمثالُ: «حرمةِ الربا ووجوبِ الزكاة» اللتين هما مسألتان في أُلوف مسائل تلك الشريعة.

فإذا عرفت هذه النكت الأربع مع هذه النقط الثلاث، اعلم أن محمداً الهاشميّ عليه الصلاة والسلام مع أنه أمّيّ لم يقرأ ولم يكتب، ومع عدم قوّته الظاهرية وعدم حاكميةٍ له أو لسَلفه، وعدمِ ميلِ تحكّم وسلطنةٍ، قد تشبثَ بقلبه بوثوقٍ واطمئنان في موقع في غايةِ الخطر وفي مقام مهم، بأمر (158)عظيم فغلَب على الأفكار، وتحبّب إلى الأرواح، وتسلّط على الطبائع، وقلع من أعماق قلوبهم العاداتِ والأخلاقَ الوحشيةَ المألوفة الراسخة المستمرة الكثيرة. ثم غرس في موضعها في غاية الإِحكام والقوة -كأنها اختلطت بلَحمهم ودمهم- أخلاقاً عاليةً وعاداتٍ حسنة، وقد بدَّل قساوةَ قلوب قوم خامدين في زوايا الوحشة بحسيات رقيقة وأظهرَ جوهرَ إنسانيتهم. ثم أخرجهم من زاوية الوحشة وَرقّى بهم إلى أوج المَدَنية وصيّرهم معلِّمي عالَمهم، وأسَّس لهم دولةً ابتلعت الدول ك«عصا موسى»، فلما ظهرت صارت كالشعلة الجوّالة والنور النوّار، فأحرقت روابط الظلم والفساد، وجعل سريرَ تلك الدولة الدفعية في زمان قليل الشرقَ والغربَ.

أفلا تدل هذه الحالة على أن مسلكَه حقيقة وأنه صادق في دعواه؟

Yükleniyor...