على الأفكار، والتأثيرَ بإلقاء حلاوته في الأرواح، والتسلطَ على الطبائع مع محافظةِ حاكميته على الوجدان دائماً لا يكون إلّا من خوارق العادات.. وليس إلّا الخاصةُ الممتازة للنبوّة.
النكتة الرابعة: هي أن تدوير أفكار العموم وإرشادَها بحِيَل الترهيب والترغيب والخوف والتكليف إنما يكون تأثيرُها جزئياً سطحياً موقتاً يسدّ طريقَ المحاكمة العقلية في زمان. أما مَن نفذ في أعماق القلوب بإرشاده، وهيَّج دقائقَ الحسيات، وكشف أكمامَ الاستعدادات، وأيقظ الأخلاق، وأظهر الخصائل المستورة، وجعل جوهر إنسانيتهم فوّاراً، وأبرزَ قيمةَ ناطقيتهم؛ فإنما هو مقتبِسٌ من شعاع الحقيقة ومن الخوارق للعادة. بينما ترى شخصاً في قساوة قلبِه يقبُرُ بنتَه حيةً ولا يتألم ولا يتأثر إذ تراه بعد يوم -وقد أسلم- يترحّم على نحو النمل، ويتألم بألَم حيوان. فبالله عليك أَ ينطبق هذا الانقلاب الحسي على قانون؟
فإذا عرفت هذه النكت تأمّل في نقطة أخرى وهي: أن تاريخ العالم يشهد: أن الداهيَ الفريدَ إنما هو الذي اقتدر على إنعاش استعداد عموميّ، وإيقاظِ خَصلة عمومية، والتسببِ لانكشاف حسّ عموميّ؛ إذ مَن لم يوقِظ هكذا حسّاً نائماً يكون سعيُه هباءً موقتاً ولو كان جليلاً في نفسه.. وأيضاً إن التاريخ يرينا أن أعظمَ الناس هو الموفَّق لإيقاظ واحد أو اثنين أو ثلاث من هذه الحسِّيات العمومية: كحسّ الحَميّة الملّية، وحس الأخوّة، وحس المحبة، وحس الحرية... الخ. أفلا يكون إذَن إيقاظُ ألوفٍ من الحسِّيات المستورة العالية، وجعلُها فوّارةً منكشفة في قوم بَدَوييّن منتشرين في جزيرة العرب تلك الصحراءِ الوسيعة، من الخوارق؟.. نعم! (156)هو من ضياء شمس الحقيقة.
فيا هذا! مَن لم يُدخِل في عقله هذه النقطة نُدْخِل جزيرةَ العرب في عينه. فهذه «جزيرةُ..» بعد ثلاثة عشر عصراً وبعدَ ترقِي البشر في مدارج التمدّن! فانتخِب أيها المعانِد من أكملِ الفلاسفة مائةً، فليسعَوا مائةَ سنة فإن فعلوا جزءاً من مائة جزءٍ مما فعلَه محمّد العربي عليه الصلاة والسلام بالنسبة إلى زمانه... (157)فإن لم تفعل -ولن تفعل- فاتّق عاقبةَ العناد! نعم، هذه الحالة خارقةٌ للعادة وإن هي إلّا معجزةٌ من معجزاته عليه الصلاة والسلام.
واعلم أيضاً أن من أراد التوفيق يلزم عليه أن يكون له مصافاةٌ مع عادات الله، ومعارَفَةٌ
النكتة الرابعة: هي أن تدوير أفكار العموم وإرشادَها بحِيَل الترهيب والترغيب والخوف والتكليف إنما يكون تأثيرُها جزئياً سطحياً موقتاً يسدّ طريقَ المحاكمة العقلية في زمان. أما مَن نفذ في أعماق القلوب بإرشاده، وهيَّج دقائقَ الحسيات، وكشف أكمامَ الاستعدادات، وأيقظ الأخلاق، وأظهر الخصائل المستورة، وجعل جوهر إنسانيتهم فوّاراً، وأبرزَ قيمةَ ناطقيتهم؛ فإنما هو مقتبِسٌ من شعاع الحقيقة ومن الخوارق للعادة. بينما ترى شخصاً في قساوة قلبِه يقبُرُ بنتَه حيةً ولا يتألم ولا يتأثر إذ تراه بعد يوم -وقد أسلم- يترحّم على نحو النمل، ويتألم بألَم حيوان. فبالله عليك أَ ينطبق هذا الانقلاب الحسي على قانون؟
فإذا عرفت هذه النكت تأمّل في نقطة أخرى وهي: أن تاريخ العالم يشهد: أن الداهيَ الفريدَ إنما هو الذي اقتدر على إنعاش استعداد عموميّ، وإيقاظِ خَصلة عمومية، والتسببِ لانكشاف حسّ عموميّ؛ إذ مَن لم يوقِظ هكذا حسّاً نائماً يكون سعيُه هباءً موقتاً ولو كان جليلاً في نفسه.. وأيضاً إن التاريخ يرينا أن أعظمَ الناس هو الموفَّق لإيقاظ واحد أو اثنين أو ثلاث من هذه الحسِّيات العمومية: كحسّ الحَميّة الملّية، وحس الأخوّة، وحس المحبة، وحس الحرية... الخ. أفلا يكون إذَن إيقاظُ ألوفٍ من الحسِّيات المستورة العالية، وجعلُها فوّارةً منكشفة في قوم بَدَوييّن منتشرين في جزيرة العرب تلك الصحراءِ الوسيعة، من الخوارق؟.. نعم! (156)هو من ضياء شمس الحقيقة.
فيا هذا! مَن لم يُدخِل في عقله هذه النقطة نُدْخِل جزيرةَ العرب في عينه. فهذه «جزيرةُ..» بعد ثلاثة عشر عصراً وبعدَ ترقِي البشر في مدارج التمدّن! فانتخِب أيها المعانِد من أكملِ الفلاسفة مائةً، فليسعَوا مائةَ سنة فإن فعلوا جزءاً من مائة جزءٍ مما فعلَه محمّد العربي عليه الصلاة والسلام بالنسبة إلى زمانه... (157)فإن لم تفعل -ولن تفعل- فاتّق عاقبةَ العناد! نعم، هذه الحالة خارقةٌ للعادة وإن هي إلّا معجزةٌ من معجزاته عليه الصلاة والسلام.
واعلم أيضاً أن من أراد التوفيق يلزم عليه أن يكون له مصافاةٌ مع عادات الله، ومعارَفَةٌ
Yükleniyor...