اعلم أن الرعد والبرق آيتان ظاهرتان من جهة العالم الغيبيّ في أيدي الملائكة الموكلين على عالم السحاب لتنظيم قوانينه. ثم إن الحكمة الإلهية ربطت الأسباب بالمسَّببَات فإذا تشكل السحاب من بخار الماء المنتشر في الهواء؛ صار قسم حاملاً «للألكتريق» المنفي وقسم حاملاً «للألكتريق» المثبت؛ فحينما يتقاربان يتصادمان دفعة فيتولد البرق. ثم بالهجوم والانقلاع دفعة وامتلاءِ موضعه بآخرَ لعدم الخلو، يهتز وتتموج الطبقات فيتولد صدى الرعد. ولا تجري هذه الحالات إلا تحت نظام وقانون يتمثلهما مَلَكُ الرعد والبرق. وأما ظرفية الصيّب لهما مع أن الظرف هو السحاب فلأن المدهوش والسامع المتدهش بدهشته يرى الصيِّب محيطاً بكل شيء لإحاطته بنفسه.

وأما إفراد الرعد والبرق مع جمع الظلمات، فإشارة إلى أن منشأ الدهشة تخيُّلُ المُصابِ تكلمَ السماء وتهديدَها بالإرعاد، وكشْفَ الحجاب بالإبراق، وهما معنى مصدريّ، لا الكلام واليد البيضاء. وأيضاً كل منهما نوعٌ واحد وإن تعددت أفراده.

وأما تنوين ﹛﴿ رَعْدٌ وَبَرْقٌ ﴾|﹜ فبدل من الصفة، أي رعد قاصف وبرق خاطف، ودالة على عدم الأُلفة بهما بسبب التفطن بالدقة لما فيهما من العجائب.. وأيضاً فيها إيماء إلى أنهم لا يعرفون ذلك الرعد والبرق لسد السمع وغض البصر.

وأما هيئات جملة ﹛﴿ يَجْعَلُونَ اَصَابِعَهُمْ ف۪ٓي اٰذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ ﴾|﹜

فاعلم أنها جواب لسؤال مقدَّر واستيناف حسن؛ إذ السامع لما توجه إلى هذه القصة الحسية التمثيلية حصل له مَيَلان شديد لكشف حال المصيبة. ثم بعد أن كمّل التصويرُ التصويرَ وقضى منه الوطر انثنى مجرى الميلان إلى كشف حال المصاب. فكأنه يقول السائل: كيف حال المُصاب حينئذ وبمَ يتشبث للنجاة؟ فأجاب القرآن بقوله: ﹛﴿ يَجْعَلُونَ اَصَابِعَهُمْ.. ﴾|﹜ الخ. أي لامناص لهم، إنما هم كالغرقى يتمسكون بغير متمسك فيريدون التحفظ من مجانيق (130)السماويين بسد الأسماع. وكونه سبباً محالٌ، فلا سبب.

وأما لفظ ﹛﴿ يَجْعَلُونَ ﴾|﹜ بدل «يُدخلون» فإيماء إلى أنهم تحروا الأسباب فما صادفوا إلَّا ما سببيته بجعلهم وظنهم فقط.. وصورة المضارع المستحضِرة للحال فرمز إلى أن السامع


Yükleniyor...