وثالثاً: يأمل الخلاصَ برؤية علامةٍ أو نار أو نيّرٍ، تشير له إلى هدف المقصد. ولمّا كانت الليلة طاميةً رمداءَ عبوسةً عمياءَ، كان ذو البصر والأعمى واحداً، فقال: ﹛﴿ عُمْيٌ ﴾|﹜ لإِطفاء هذا الأمل أيضاً.

ورابعاً: لا يبقى له إلّا أن يجهَد في الرجوع، ولمّا أحاط به الظلمةُ كان كمَن دخل في وحلٍ باختياره وامتنعَ عليه الخروج. نعم، كم من أمرٍ تذهب إليه باختيارٍ ثم يُسلَبُ عنك الاختيارُ في الرجوع عنه، تُخلّيه أنت ولا يُخلّيك هو، فقال تعالى: ﹛﴿ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ ﴾|﹜ لسدّ هذا الباب عليهم وقطعِ آخر الحبل الذي يتمسكون به، فسقطوا في ظلمات اليأس والتوحّش والسكونة والخوف.

أما الجهة الثالثة، أعني: نظمَ قيودات جملة جملة، فانظر إلى ﹛﴿ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا ﴾|﹜ كيف تتطاير شراراتُ النُكَت من قيوداتها.

أما لفظ «المَثَل» فإشارةٌ إلى غرابة حال المنافقين وأن قصتهم أعجوبةٌ؛ إذ المَثَل هو الذي يجول على الألسنة ويتناقله الناسُ لتضمنه لغرابةٍ؛ إذ أخصُّ صفاته الغرابةُ. ثم لاندماج قاعدة أساسية في الأمثال يُقال لها: «حِكمةُ العوام» و«فلسفةُ العموم». فالمراد بالمثَل هنا، صفتُهم الغريبة وقصتُهم العجيبة وحالُهم الشنيعة. ففي التعبير بالمَثَل مجازاً إشارةٌ إلى الغرابة، وفي الإشارة رمزٌ إلى أن مِن شأن صفتهم أن تدور على لسان النَّفرة والتلعين كضرب المَثل.

وأما «الكاف»:

⦁ فإن قلت: إنْ حُذف كان تشبيهاً بليغاً فهو أبلغ؟

قيل لك: الأبلغ في هذا المقام ذكرُه، إذ التصريحُ به يوقظ الذهنَ بأن ينظر إلى المثال تبعياً، فينتقل عن كل نقطةٍ مهمة منه إلى نظيرها من المشبَّه. وإلّا فقد يتوغل فيه قصداً فتفوتُ منه دقائقُ التطبيق.

وأما «المَثَل» الثاني فإشارة إلى أن حال المستوقِد بغرابته ووجودِه في حسّ العموم كان في حُكم ضرب المثل.

وأما ﹛﴿ الَّذِي ﴾|﹜ :

Yükleniyor...