أما تحليل كلمات هذه الآية، فاعلم أن ﹛﴿ مِنَ النَّاسِ ﴾|﹜ خبرٌ مقدَّم ل ﹛﴿ مَنْ ﴾|﹜ على وجهٍ.

⦁ إن قلت: كون المنافق إنساناً بدهيٌّ...؟

قيل لك: إذا كان الحُكم بدهياً يكون الغرضُ واحداً من لوازمه، وهنا هو التّعجيب. كأنه يقول: كونُ المنافق الرذيل إنساناً عجيبٌ؛ إذ الإنسان مكرّم، ليس من شأنه أن يتنزّل إلى هذه الدَرَكة من الخِسّة.

⦁ إن قلت: فَلِمَ قدَّم؟

قيل لك: من شأن إنشاء التعجّبِ الصدارةُ، وليتمركز النظرُ على صفة المبتدأ التي هي مناطُ الغرض وإلّا لانتظرَ ومرَّ إلى الخبر.

ثم إن عنوان ﹛﴿ النَّاسِ ﴾|﹜ يترشح منه لطائف:

منها: أنه لم يفضَحهم بالتعيين، بل ستَرَهم تحت عنوان ﹛﴿ النَّاسِ ﴾|﹜ إيماءً إلى أن سَترَهم وعدمَ كشف الحجاب عن وجوههم القبيحة أنسبُ بسياسة النبيّ عليه السلام؛ إذ لو فضَحَهم بالتشخيص لتوَسوَس المؤمنون؛ إذ لا يُؤْمَن من دسائس النفس. والوسوسةُ تنجرُّ إلى الخوف، والخوفُ إلى الرياء، والرياء إلى النفاق.. ولأنه لو شنّعَهم بالتعيين لقيل: إن النبي عليه السلام متردّدٌ لا يثقُ بأتباعِه.. ولأن بعضاً من الفساد لو بقيَ تحت الحجاب لانطفأ شيئاً فشيئاً واجتَهد صاحبُه في إخفائه ولو رُفع الحجاب -فبناءً على ما قيل «إِذا لمْ تسْتَحِ فَافْعَلْ مَا شِئْتَ»- (89) لَيقولُ: فليكن ما كان، ويأخذ في النشر ولا يبالي.

ومنها: أن التعبير ب ﹛﴿ النَّاسِ ﴾|﹜ يشير إلى أنه مع قطع النظر عن سائر الصفات المنافية للنفاق فأعَمُّ الصفات، -أعني «الإنسانية»- أيضاً منافيةٌ له؛ إذ الإنسانُ مكرَّم ليس من شأنه هذه الرَذالة.

ومنها: أنه رمزٌ إلى أن النفاق لا يختصُّ بطائفةٍ ولا طبقة، بل يوجد في نوع الإنسان أيةَ طائفةٍ كانت.

ومنها: أنه يُلَوِّح بأن النفاق يُخِلّ بحيثية كلِّ مَن كان إنساناً فلابد أن يتحرك غضبُ


Yükleniyor...