يصغون إلى كلام آمرهم.. وفيه أيضا رمزٌ إلى أنه ليس سواءً عليك، لأنَّ لك الخيرَ في التبليغ؛ إذ ﹛﴿ مَا عَلَى الرَّسُولِ اِلَّا الْبَلَاغُ ﴾|﹜ (المائدة:٩٩).

وأما ﹛﴿ ءَاَنْذَرْتَهُمْ اَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ ﴾|﹜ فالهمزةُ و«أمْ» هنا في حُكم «سواء حرفي»، تأكيد ل ﹛﴿ سَوَٓاءٌ ﴾|﹜ الأولِ. أو تأسيسٌ نظراً إلى اقتسامهما المعنيين المذكورين للمساواة. (62)

⦁ إن قلت: فلِمَ عبّر عن المساواة بصورة الاستفهام؟

قيل لك: إذا أردت أن تنبّه المخاطَب على عدم الفائدة في فعل نفسه بوجهٍ لطيف مُقنع، لابد أن تستفهم ليتوجّه ذهنُه إلى فعله فينتقل منه إلى النتيجة فيطمئن.. ثم العلاقة بين الاستفهام والمساواة تضمنه لها؛ إذ السائل يتساوى في علمه الوجودُ والعدم.. وأيضاً كثيراً ما يكون الجوابُ هذه المساواةَ الضمنية.

⦁ إن قلت: لِمَ عبّر عن الإنذار في ﹛﴿ ءَاَنْذَرْتَهُمْ ﴾|﹜ بصورة الماضي؟

قيل لك: لينادي «يا محمد قد جرَّبْتَ» فقِس!

⦁ إن قلت: لِمَ ذكر ﹛﴿ اَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ ﴾|﹜ مع أن عدم فائدة عدم الإنذار ظاهر؟

قيل لك: كما قد ينتج الإنذارُ إصراراً، كذلك قد يُجدي السكوتُ إنصافَ المخاطب.

⦁ إن قلت: لِمَ أنذر بالترهيب فقط مع أنه بشير نذير؟

قيل لك: إذ الترهيبُ هو المناسبُ للكفر، ولأن دفعَ المضارّ أولى من جَلب المنافع وأشدُّ تأثيراً، ولأن الترهيبَ هنا يهزّ عِطْفَ الخيالَ ويوقظُه لأن يتلقى ويجتني بعد قوله ﹛﴿ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾|﹜ «أبشّرتَهم أم لم تبشرهم».

ثم اعلم كما أن لكل حُكمٍ معنى حرفياً ومقصداً خفياً؛ كذلك لهذا الكلامِ معانٍ طيارةٌ ومقصد سيق له، هو تخفيفُ الزحمة، وتهوينُ الشدة عن النبي عليه السلام، وتسليتُه بتأسّيه بالرسل السالفين. إذ خوطبَ أكثرُهم بمثل هذا الخطاب، حتى قال نوح بعده: ﹛﴿ لَا تَذَرْ عَلَى الْاَرْضِ مِنَ الْكَافِر۪ينَ دَيَّارًا ﴾|﹜ (نوح:٢٦)..


Yükleniyor...