ومنها: السؤالُ عن نتيجة الهداية وثمرتِها، والنعمةِ واللذة فيها؛ كأن السامع يقول: ما اللذةُ والنعمة؟ فأجاب بأن فيها سعادةَ الدارين. أي إنَّ نتيجة الهدايةِ نفسُها، وثمرتَها عينُها، إذ هي بذاتها نعمةٌ عظمى ولذةٌ وجدانية، بل جنةُ الروح؛ كما أن الضلالةَ جهنمُها. ثم بعد ذلك تثمر الفلاحَ في الآخرة.

وأما المحسوسية في ﹛﴿ اُو۬لٰٓئِكَ ﴾|﹜ فإشارةٌ إلى أن ذكر الأوصاف الكثيرة سببٌ للتجسّم في الذهن، والحضور في العقل، والمحسوسيةِ للخيال. فمن العهد (48)الذِكْريّ ينفتح بابٌ إلى العهد الخارجيّ، ومن العهد الخارجي ينتقل إلى امتيازهم، وينظر إلى تلألئهم في نوع البشر كأنه مَن رفعَ رأسَه وفتح عينيه لا يتراءى له إلَّا هؤلاء.

وأما البُعدية في ﹛﴿ اُو۬لٰٓئِكَ ﴾|﹜ مع قُربيتهم في الجملة، فللإشارة إلى تعالِي رتبتِهم؛ إذ الناظر إلى البُعَداء لا يرى إلَّا أطولَهم قامةً، مع أن حقيقة البُعد الزماني والمكاني أقضى لحقّ البلاغة؛ إذ هذه الآية كما أن عصرَ السعادة لسانٌ ذاكر لها وهي تَنزل، كذلك كلٌّ من الأعصار الاستقبالية كأنه لسانٌ ذاكرٌ لها، وهي شابةٌ طريةٌ كأنها إذ ذاك نزلَت لا أنها نزلت ثم حُكِيت. فأوائلُ الصفوف المشار إليهم ب ﹛﴿ اُو۬لٰٓئِكَ ﴾|﹜ يتراءَون من بُعْدٍ. ولأجل الرؤيةِ مع بُعدهم يُعلَم عظمتُهم وعلوُّ رتبتهم.

وأما لفظ ﹛﴿ عَلٰى ﴾|﹜ فاعلم أن سرّ المناسبة بين الأشياء صيَّر أكثرَ الأمور كالمرايا التي تتراءى في أنفسها؛ هذه في تلك، وتلك في هذه. فكما أن قطعةَ زجاجةٍ تريك صحراءَ واسعة؛ كذلك كثيراً ما تذكِّرك كلمةٌ فذة خيالاً طويلاً، وتمثِّل نُصبَ عينيك هيئةُ كلمةٍ حكايةً عجيبةً. ويجول بذهنك كلامٌ في عالم المثال المثالي. كما أن لفظ «بارَزَ» يفتح لك معركة الحرب، ولفظ «ثمرة» في الآية يفتح لك باب الجنة، وقِس! فعلى هذا لفظُ ﹛﴿ عَلٰى ﴾|﹜ للذهن كالكُوَّة إلى أُسلوبٍ تمثيلي، هو أنَّ هدايةَ القرآن بُراقٌ إلهيّ أهداه للمؤمنين ليَسلكوا-وهم عليه- في الطريق المستقيم سائرين إلى عرش الكمالات.

وأما التنكير في ﹛﴿ هُدًى ﴾|﹜ فيشير إلى أنه غير ﹛﴿ هُدًى لِلْمُتَّق۪ينَ ﴾|﹜ إذ المنكَّر المكرّر غيرُ

Yükleniyor...