وأما وجه تشرّبها من المقصد الثالث وهو «الخاتمية» فهو أنَّ ﹛﴿ مِنْ قَبْلِكَ ﴾|﹜ بسر قاعدة: «إن الواحد إذا تكثَّر تسلْسَلَ لا يسكن، وإن الكثير إذا اتّحد استقرّ لا ينقطع»، وبإشمام المفهوم المخالف تُلمّح بأنه عليه السلام خاتم الأنبياء.

وأما وجه انصباغها من المقصد الرابع وهو «عموم الدعوة» فهو أن ﹛﴿ مِنْ قَبْلِكَ ﴾|﹜ المفيدةَ «أنك خَلَفُهم وكلٌّ منهم سلَفُك» بسر قاعدة: «إنَّ الخلف يأخذ تمامَ وظيفة السلف ويقوم مقامَه» تشير بأنه إذا كان كلٌّ منهم سلفَك فأنت نائبُ الكل، ورسولُ جميع الأُمم.

نعم، لا يكون إلّا كذلك! إذ الفطرةُ حاكمة له، والحكمةُ قاضية به؛ لأنه كانت أُمم العالَم الإنساني قبل زمان السعادة في غاية التباعد والاختلاف مادةً ومعنىً، واستعداداً وتربيةً؛ ما كفَت لهم التربيةُ الواحدة وما شملت الدعوةُ المفردة. ثم لمّا انتبه العالمُ الإنساني بزمان السعادة بعده، وتمايلَ إلى الاتحاد بمداولة الأفكار، ومبادلةِ الطبائع، واختلاطِ الأقوام، وتحرّى البعضُ عن حال البعض حتى تمخّض الزمانُ بكثرة طرق المخابرة والمناقلة؛ فصارت الكرةُ كمملكة، وهي كولاية، وهي كبلدة، واتصل الرحم بين أهل الدنيا؛ كَفَت الدعوةُ الواحدة والنبوةُ الفريدة للكافة.

وأما وجه إشمامها بالمقصد الخامس فهو أنَّ ﹛﴿ مِنْ قَبْلِكَ ﴾|﹜ المومية من «مِن» إلى «إلى»، ومن «إلى» إلى الإغناء، (34)أي «انتهت الرسالة بقدومك إذ أغْنَتْ شريعتُك»، ترمز بأن شريعتَه عليه السلام ناسخةٌ بالانتهاء وجامعةٌ بالإغناء.

واعلم أن الأمارة لنظر البلاغة على تشرّب هذه الكلمة لهؤلاء اللطائف هي أن هذه المقاصد الخمسة كالأنهار الجارية تحت هذه الآيات، حتى يفورُ هذا بكماله في آية.. وينبع ذاك بتمامه في أُخرى.. ويتجلى ذلك بشَرَاشيره (35)في آخرة. فأدنى ترشُّح على السطح يومي بتماسّ عروق الكلمة بها. وأيضا تتسنبل هذه المعاني في آيات مسوقةٍ لها.


Yükleniyor...