وفي ﹛﴿ يُؤْمِنُونَ ﴾|﹜ بدلَ «المؤمنين» الدالِّ على الثبوت في زمان ما، تلويحٌ إلى تجدد الإيمان بتواتر النزول وتكرّر الظهور مستمراً.

وفي «مَا» الإبهامِ، إيماء إلى أن الإيمان مجمَلاً قد يكفي، وإلى تشميل الإيمان للوحي الظاهر والباطن وهو الحديث.

وفي ﹛﴿ اُنْزِلَ ﴾|﹜ باعتبار مادته إشارةٌ إلى أن الإيمان بالقرآن هو الإيمان بنزوله من عند الله. كما أن الإيمان بالله هو الإيمان بوجوده، وباليوم الآخر هو الإيمان بمجيئه. وبالنظر إلى صيغته الماضَوية -مع أنه لم يتم النزول إذ ذاك- إشارةٌ إلى تحقُّقِه المُنزَّلِ بمنزلة الواقع مع أن مضارعِيَّةَ ﹛﴿ يُؤْمِنُونَ ﴾|﹜ تتلافى ما في ماضويته. (30)بل لأجل هذا التنزيل ترى في أساليب التنزيل كثيراً ما يبتلع الزمانُ الماضي المستقبلَ ويتَزَيَّا المضارعُ بزيّ الماضي، إذ فيه بلاغة لطيفة. لأن مَن سمع الماضيَ فيما لم يمضِ بالنسبة إليه اهتزّ ذهنُه، وتيقّظ أنه ليس وحدَه، وتذكّر أن خلفَه غيرَه من الصفوف بمسافات. حتى كأن الأعصارَ مدارجُ والأجيالَ صفوفٌ قاعدون خلفَها، وتَنبَّهَ أن الخطابَ والنداءَ الموجّه إليه بدرجة من الشدة والعلوّ يسمعه كلُّ الأجيال. وهو خُطبةٌ إلهية أنصتَ لها كلُّ الصفوف في كل الأعصار. فالماضي حقيقةٌ في الكثير -في أكثر الأزمان- ومجازٌ في القليل -في أقلّها- (31)ومراعاةُ الأكثر أوفَى لحق البلاغة.

وفي ﹛﴿ اِلَيْكَ ﴾|﹜ بدلَ «عليك» رمز إلى أن الرسالة وظيفةٌ كُلِّف بها النبي عليه السلام وتحمَّلها بجزئه الاختياري.. وإيماءٌ إلى علوّه بخدمة جبرائيل بالتقديم إليه؛ إذ في «عَلى» شمُّ اضطرارٍ وعلوِّ واسطةِ النزول.. وفي خطابِ ﹛﴿ اِلَيْكَ ﴾|﹜ بدل «إلى نحو محمد» تلويحٌ إلى أن محمداً عليه السلام ما هو إلّا مخاطَب والكلامُ كلام الله.. وأيضا معنى الخطاب تأكيد وتصوير لمعنى النزول؛ الذي هو الوحي، الذي هو القرآن، الذي هو خطابُ الله معه، الذي هو الخاصة النافذة في الكل. فكشف هذا الجزءُ الحجابَ عن حصته من تلك الخاصة. فظهر أن هذا الكلام بالنظر إلى اشتماله على هذه اللطائف المذكورة في نهاية الإيجاز.


Yükleniyor...