«عمرو»؟ مع أن الآية بإشارات أخواتها تشير أن لكل فردٍ الجميعَ لا التوزيع. وكذا كيف تكون الشمس والقمر وغيرهما مع تلك العظمة ل«زيد وعمرو» والعلة الغائية فيها الفائدة الجزئية لهما؟ وكيف تكون المضرات لاستفادة البشر مع أنه لا مجازفة في القرآن ولا تليق المبالغة ببلاغته الحقيقية؟

قيل لك: تأمل في ست نقاط يتطايرْ عنك الأوهام:

الأولى: أن خاصية الحياة كما مرَّ تصيّر الجزءَ كلاً والجزئي كلياً والمنفردَ جماعة والمقيّدَ مطلقاً والفردَ عالَماً، فيصير الأنواع كقوم ذي الحياة والدنيا بيته، ويكون له مناسبة مع كل شيء.

والثانية: أن في العالم -كما علمت- نظاما ثابتا، واتساقا مُحكَما، ودساتير عالية، وقوانين أساسية مستمرة، فيكون العالَم كساعة أو ماكينة منتظمة. فكما أن كل دولاب منها بل كلَّ سنٍّ من كل دولاب بل كل جزء من كل سنٍّ له دخلٌ -ولو جزئياً- في نظام الماكينة، وكذا له تأثير في فائدة الماكينة ونتيجتِها بواسطة نظامها؛ كذلك لوجوده دَخلٌ في فائدة أهل الحياة الذين سيّدُهم ورئيسُهم البشرُ.

والثالثة: أنه -كما قرع سمعَك فيما مضى- لا مزاحمةَ في وجوه الاستفادة، فكما أن الشمس بتمامها لزيد وأن ضياءها روضةٌ وميدان لنظره؛ كذلك بتمامها مُلك لعمرو وجنة له. فزيد مثلاً لو كان في العالَم وحده كيف تكون استفادته؛ كذلك إذا كان مع كل الناس لا ينقُص منها شيء إلَّا فيما يعود إلى الغارَيْن. (206)

والرابعة: أن الكائنات ليس لها وجه رقيق فقط، بل فيها وجوه عمومية مختلفة، طَبَقاً على طبق. ولفوائدها جهات كثيرة عمومية متداخلة، وطرق الاستفادة متعددة متنوعة؛ مثلاً: إذا كان لك روضة، تستفيد منها بجهة ويستفيد الناس بجهة أخرى، كالاستلذاذ بالقوة الباصرة. ولا جرم أن استفادة الإنسان تحصل بحواسه الخمس الظاهرة وبحواسه الباطنة وبجسمه وبروحه وكذا بعقله وقلبه وكذا في دنياه وفي آخرته وكذا من جهة العِبرة وقس عليها.. فلا مانع من استفادته بوجه من هذه الوجوه من كل ما في الأرض بل العالم.


Yükleniyor...