ألوف غايات السماء والأرض، في منزلة العلة الغائية. كأنها هي العلة بالنظر إلى الإنسان. أي إن الإنسان يستفيد من الأرض عرصةً لبيته والسماء سقفاً له والنجوم قناديل والنباتات ذخائر، فحقٌّ لكل فرد أن يقول: شمسي وسمائي وأرضي. فتأمل وعقلُك معك!

أما كيفياتُ: ﹛﴿ وَاَنْزَلَ مِنَ السَّمَٓاءِ مَٓاءً فَاَخْرَجَ بِه۪ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ ﴾|﹜ فاعلم أن نسبة أنزل إلى الضمير إشارةٌ إلى أن القطرات إنما تُنزَل بميزانِ قصدٍ وتُرسل بحكمةٍ، حتى إن كل قطرة محفوفة بنظام مخصوص، بأمارةِ عدم مصادمتها لأخواتها في تلك المسافة البعيدة مع تلعّب الهواء بها. فيؤذِنُ أنْ ليست غواربها على أعناقها، (151)بل زمامُ كلٍّ في يد مَلَك ممثِّل لنظام ومَعكِس له.

أما ﹛﴿ مِنَ السَّمَٓاءِ ﴾|﹜ فإشارة بإقامة الظاهر مقامَ الضمير، إلى أن الغرض من هذه السماء جهتُها لا جِرمُها المخصوص. (152)

أما ﹛﴿ مَٓاءً ﴾|﹜ مع أن المُنزَل ثلج وبَرَد ومطر، فإشارة إلى المنشأ القريب للاستفادة ﹛﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَٓاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ﴾|﹜ (الأنبياء:٣.). أما تنكيره فإشارة إلى أنه ماءٌ عجيبٌ شأنُه، غريبٌ نظامُه، مجهولٌ لكم امتزاجاتُه الكِمْيَوِية.

أما فاء ﹛﴿ فَاَخْرَجَ ﴾|﹜ الموضوعة للتعقيب بلا مهلة، مع المهلة بين نزول الماء وخروج الثمر، فتلويح إلى ف«اهتزت الأرضُ وربَت.. واخضرّت.. وانبتت من كل زوج بهيج.. فأخرج». أما نسبة ﹛﴿ اَخْرَجَ ﴾|﹜ إلى الضمير فإشارة إلى أن خروج الثمار ليس بتولّد وتركّب فقط، بل الصانعُ الحكيم ينشئها ويرتبها بصفات وخواص لا توجد في مادتها.

أما ﹛﴿ بِه۪ ﴾|﹜ فبسبب تشرب المعنى الحقيقي -وهو الإلصاق- للسببية رمز إلى لطافة طراوة الثمار، فيعلو إليها الماء -خلاف طبيعته- بوساطة «الآثار الشَعرية» فيملأ أقداح الثمرات ملصقاً بها.

أما ﹛﴿ مِنَ الثَّمَرَاتِ ﴾|﹜ فلعدم خلوّها من معنى الابتداء عند سيبويه يشير إلى مفعولٍ يتنوع بتعيّن فهم السامع، أي إن من الثمرات أنواعاً كما تشتهون.


Yükleniyor...