﴿ رَبَّكُمُ ﴾ أي اعبدوه لأنه ربٌّ يربيكم فلابد أن تكونوا عباداً تعبدونه.
تذييل: في ﴿ رَبَّكُمُ ﴾ رمزٌ دقيق إلى دليل إمكان الذوات. وفي ﴿ جَعَلَ لَكُمُ الْاَرْضَ فِرَاشًا ﴾ إلى دليل إمكان الصفات. وفي ﴿ الَّذ۪ي خَلَقَكُمْ وَالَّذ۪ينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾ إلى دليل حدوث الذوات والصفات. والذي ينصّ على دليل إمكان الذوات قوله تعالى: ﴿ وَاللّٰهُ الْغَنِيُّ وَاَنْتُمُ الْفُقَرَٓاءُ ﴾ وأيضاً: ﴿ اِلٰى رَبِّكَ الْمُنْتَهٰى ﴾ (النجم:٤٢) وأيضاً: ﴿ فَاِنَّهُمْ عَدُوٌّ ل۪ٓي اِلَّا رَبَّ الْعَالَم۪ينَ ﴾ (الشعراء:٧٧) وكذلك: ﴿ قُلِ اللّٰهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ ف۪ي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ ﴾ (الأنعام:٩١) وأيضاً: ﴿ فَفِرُّٓوا اِلَى اللّٰهِ ﴾ (الذاريات:٥.) وكذلك: ﴿ اَلَا بِذِكْرِ اللّٰهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ (الرعد:٢٨) وقس، فتأمل!
وأما جملة ﴿ الَّذ۪ي خَلَقَكُمْ ﴾ فاعلم أن الله تعالى لمّا أمر بالعبادة وهي تقتضي ثلاثة أشياء: وجود المعبود، ووحدته، واستحقاقه للعبادة.. أجاب عن هذه الأسئلة المقدَّرة بالإشارة إلى دلائلها الثلاثة:
فدلائل الوجود قسمان: آفاقي وأنفسي. والأنفسي نوعان: نفسيّ وأصوليّ. فأشار إلى النفسي الأقربِ الأوضحِ بقوله: ﴿ الَّذ۪ي خَلَقَكُمْ ﴾ وإلى الأصولي بقوله: ﴿ وَالَّذ۪ينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾ .
وأما نظمُ ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ فاعلم أن القرآن لمّا علّق العبادةَ على خَلقِهم وآبائهم، اقتضى ترتيبُ العبادة على خَلق البشر نقطتين:
إحداهما: أن تكون خلقتُهم باستعداد العبادة، وجبليّتُهم على قابلية التقوى؛ حتى مَن يرى ذلك الاستعداد يأمل ويرجو منهم العبادةَ، كمن يرى المَخالِبَ يأمل الافتراس.
والثانية: أن يكون المقصدُ من خلقتهم ووظيفتهم التي هم مأمورون بها وكمالُهم الذي يتوجهون اليه، هو التقوى الذي هو كمال العبادة.
و ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ أي المقصد من خلقكم وكمالكم والذي هُيئ له استعدادُكم إنما هو التقوى.
Yükleniyor...