الطريق»؟ فقال: ﹛﴿ يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ اَبْصَارَهُمْ ﴾|﹜ مشيراً إلى أنه كما أن الرعد يعاديهم فلا يستطيعون السمعَ؛ كذلك البرقُ يخاصمهم بإضاءته فيُظلم أبصارَهم.. ثم بعد سماع تجاوب الكائنات على عداوتهم ينادي ذهنُ السامع ب«فما مصير حالهم وما يفعلون؟ وبمَ يشتغلون؟» فقال: ﹛﴿ كُلَّمَٓا اَضَٓاءَ لَهُمْ مَشَوْا ف۪يهِ وَاِذَٓا اَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا ﴾|﹜ مشيراً إلى أنهم مشوشون مترددون متحيّرون مترقبون لأدنى فرصة ولأدنى رؤية للطريق. فكلما تراءت لهم يتحركون، لكن كحركة المذبوح لاضطراب أرواحهم، ويتخطّون خطى يسيرة مع علمهم بأن لا فائدة، وكلما غشيَتهم الظلمةُ فجأة ينجمدون في مقامهم.. ثم يستعد ذهنُ السامع للاستفسار ب«لِمَ لا يموتون أو يعْمَون أو يَصَمُّون بالمرّة فيخلصون عن الاضطراب؟» فقال: ﹛﴿ وَلَوْ شَٓاءَ اللّٰهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَاَبْصَارِهِمْ ﴾|﹜ أي ليسوا مستحقين للخلاص من الاضطراب، ولهذا لا تتعلق المشيئةُ بإماتتهم، ولو تعلقت لتعلقت بذَهاب سمعهم وبصرهم. ولكنّ بقاءَ السمع لاستماع العقاب ووجودَ البصر لرؤية العذاب أجدرُ بمن شذّ ونشَزَ عن قانونه تعالى..

ثم إنَّ هذه القصة لما احتوت على نقاط يتلوّح من معاطفها استطراداً: العظمةُ والقدرة الإلهية وتصرّفُه تعالى في الكائنات، ولاسيما يتذكّر السامع تبعاً في تلافيفها عجائب الرعد والبرق والسحاب، كان من حق السامع المتيقظِ وجدانُه أن يعلن ويقول: «سبحانه ما أعظمَ قدرةَ مَنْ هذه الكائنات تَجَلِّي هيبتِه، وهذه المصيباتُ تَجلِّي غضبه». فقال: ﹛﴿ اِنَّ اللّٰهَ عَلٰى كُلِّ شَيْءٍ قَد۪يرٌ ﴾|﹜ .

وأما نظم هيئات جملة جملة:

فاعلم أن ﹛﴿ اَوْ ﴾|﹜ في ﹛﴿ اَوْ كَصَيِّبٍ ﴾|﹜ إشارة إلى انقسام حال الممثّل إلى قسمين، ورمز إلى تحقيق المناسبة بين التمثيلين وبينهما وبين الممثَّل له، وإيماء إلى مسلَّمية المشابهة.. وأيضاً متضمنٌ ل«بل» التَرْقِيَة؛ (128)إذ التمثيل الثاني أشدُّ هَوْلاً.

وأن ﹛﴿ كَصَيِّبٍ ﴾|﹜ لعدم مطابقته للمَمثّل يقتضي تقديرَ لازمٍ، والسكوتُ عن إظهار المقدَّر للإيجاز، والإيجاز في اللفظ لإطناب المعنى بإحالته على خيال السامع بالاستمداد من المقام. فبعدم المطابقةِ كأنه يقول: أو كالذين سافروا في صحراءَ خاليةٍ وليلةٍ مظلمة فأصابتهم مصائبُ بصيّبٍ.


Yükleniyor...