القرآن أبناءُ الفيافي يفترشون الصحارى ويتخيّمون بفسطاط السماء. وما منهم إلّا وقد رأى بنفسه أو سمع من أبناء جنسه مثل هذه الحادثة حتى استأنس بها حسُّ العموم؛ بحيث تؤثّر فيه كضرب المثَل.

وأما مناسبته للتمثيل الأول فأظهرُ من أن يَخفى، إذ هو كالتكملة والتتمة له، مع الاتحاد في كثير من النقط.

وأما مناسبة التمثيل للممثَّل له فبخمسة وجوه:

منها: وقوعُهما كليهما في شدة الحيرة، بانسداد كلِّ طرق النجاة عليهم، وبأنْ ضلّ جميعُ أسباب الخلاص عنهم.

ومنها: وقوعهما في شدة الخوف، حتى يتخيلُ كلٌّ من المشبَّه والمشبَّه به، أن الموجودات اتفقت على عداوته، ولا يأمَن من بقائه في كل دقيقة.

ومنها: وقوعهما في شدة الدهشة المنتجة لاختبال العقل حتى إن كلاًّ منهما يتَبَلَّه. كمثل مَن يرى برق السيوف فيتحفظ بغَمضِ بصره أو يسمع تَقْتَقَة البنادق فيتجنّب عن الجرح بسد سمعه. أو كمثل مَن لا يحب غروبَ الشمس فيُمسك دولاب ساعته لئلا يدور جرخُ الفَلك الدَّوّار، فما أخبَلهم! إذ الصاعقةُ لا تنثني بسدّ الأسماع، والبرقُ المُحرق لا يترحم عليهم بغضِّ الأبصار. ومن هنا يُرى أنْ لم يبقَ لهم مَمسَك.

ومنها: أن الشمس والمطر والضياء والماء كما أنها منابعُ حياة الأزاهير وتربيةِ النباتات، وسبب تعفن الميتات ونَتن القاذورات؛ كذلك إن الرحمة والنعمة إذا لم تَصادفا موقعَهما المنتظَر لهما والعارف بقيمتهما، تنقلبان زحمةً ونِقمة.

ومنها: أنه كما يوجد التناسب بين المآلين الذي هو الأصل في انعقاد الاستعارة التمثيلية بلا نظر إلى تطبيق الأجزاء؛ كذلك يوجد مناسباتٌ هنا بين أجزائهما؛ إذ الصيِّب حياةُ النباتات كما أن الإسلاميةَ حياةُ الأرواح، والبرق والرعد يشيران إلى الوعد والوعيد، والظلماتُ تريك شبهاتِ الكفر وشكوكَ النفاق.

وأما وجه النظم بين الجمل:


Yükleniyor...