أما الاقتصاد فإنه يثمر القناعة، والقناعة تنتج العزة، استناداً إلى الحديث الشريف: (عزّ مَن قنع وذلّ مَن طمع). (17) كما أنه يشحذ الشوقَ بالسعي والعملَ ويحث عليهما ويسوق سوقاً إلى الكدّ وبذل الجهد فيهما؛ لأنه إذا ما سعى المرء في يوم ما وتقاضى أجره مساءً فسيسعى في اليوم التالي له بسر القناعة التي توافرت لديه. أما المسرف فإنه لا يسعى في يومه الثاني لعدم قناعته وحتى إذا سعى فإنه يسعى دون شوق.

وهكذا فإن القناعة المستفاضة من الاقتصاد تفتح باب الشكر وتوصد باب الشكوى، فيظل الإنسان في شكر وحمدٍ مدى حياته. وبالقناعة لا يلتفت إلى توجه الناس إليه لاستغنائه عنهم، فينفتح أمامه باب الإخلاص وينغلق بابُ الرياء.

ولقد شاهدت الأضرار الجسيمة والخسائر الفادحة التي تسفر عن الإسراف وعدم الاقتصاد شاهدتها متجسدة في نطاق واسع ممتد وهي كما يأتي:

جئت إلى مدينة مباركة -قبل تسع سنوات- كان الموسم شتاءً فلم أَتمكن من رؤية منابع الثروة وجوانب الإنتاج في تلك المدينة، فقال لي مُفتيها رحمه الله: إن أَهالينا فقراء مساكين. أَعاد قوله هذا مراراً. أثّر فيّ هذا القول تأثيراً بالغاً مما أَجاش عطفي، فبت أَسترحم وأَتأَلم لأهالي تلك المدينة فيما يقرب من ست سنوات. وبعد ثماني سنوات عدتُ إليها وهي في أَجواء الصيف، وأَجلتُ نظري في بساتينها فتذكرت قول المفتي رحمه الله، وقلت متعجباً:

- سبحان الله! إن محاصيل هذه البساتين وغلاتها تفوق حاجة المدينة بأسرها كثيراً، وكان حرياً بأهاليها أن يكونوا أثرياء جداً! بقيت في حيرة من هذا الأمر.. ولكن أَدركت بحقيقة لم تخدعني عنها المظاهر، فهي حقيقة أَسترشدُ بها في إدراك الحقائق، وهي: أن البركة قد رُفعت من هذه المدينة بسبب الإسراف وعدم الاقتصاد. مما حدا بالمفتي رحمه الله إلى القول: «إن أهالينا فقراء ومساكين»، برغم هذا القدر الواسع من منابع الثروة وكنوز الموارد.

نعم، إنه ثابت بالتجربة وبالرجوع إلى وقائع لا تحد بأن دفعَ الزكاة، والأخذ بالاقتصاد سببان للبركة والاستزادة. (18) بينما الإسراف ومنع الزكاة يرفعان البركة.

Yükleniyor...