لذة العمر وقيمةَ الحياة بالكدّ والمشقة، أما الراحة والدعة والصحة والعافية فهي تجعل العمر مرّا وتثقله بحيث يتمنى المرء الخلاص منه بسرعة.

أيها الأخ المريض! اعلم أن اصل المصائب والشرور بل حتى الذنوب إنما هو العدم كما أُثبت ذلك إثباتاً قاطعاً ومفصلاً في سائر الرسائل، والعدم هو شرّ محض وظلمة تامة. فالتوقف والراحة والسكون على نسق واحد ووتيرة واحدة حالات قريبة جداً من العدم والعبث، ودنوّها هذا هو الذي يُشعر بالظلمة الموجودة في العدم ويورث ضجراً وضيقاً. أما الحركة والتحول فهما وجودان ويُشعران بالوجود، والوجود هو خيرٌ خالص ونور.

فما دامت الحقيقة هكذا، فإن المرض الذي فيكَ إنما هو ضيف مُرسَلٌ إليك ليؤدي وظائفه الكثيرة فهو يقوم بتصفية حياتك القيمة وتقويتها ويرتقي بها ويوجه سائر الأجهزة الإنسانية الأخرى في جسدك إلى معاونة ذلك العضو العليل ويبرز نقوش أسماء الصانع الحكيم، وسينتهي من وظيفته قريباً، إن شاء الله ويمضي إلى شأنه مخاطباً العافية: تعالي الآن لتمكثي مكاني دائماً، وتراقبي أداء وظيفتك من جديد، فهذا مكانك تسلّميه واسكنيه هنيئاً.

الدواء العشرون

أيها المريض الباحث عن دوائه! اعلم أن المرض قسمان: قسم حقيقي وقسم آخر وهمي.

أما القسم الحقيقي: فقد جعل الشافي الحكيم الجليل جلّ وعلا لكل داءٍ دواءً، وخزَنَه في صيدليته الكبرى التي هي الكرة الأرضية، فتلك الأدويةُ تستدعي الأدواء، وقد خلق سبحانه لكل داءٍ دواء، (15) فاستعمال العلاج وتناوله لغرض التداوي مشروع أصلاً. ولكن يجب العلم بأن الشفاء وتأثير الدواء لا يكونان إلّا من الحق تبارك وتعالى، فمثلما أنه سبحانه يهب الدواءَ فهو أيضاً يهب الشفاء. وعلى المسلم الالتزام بإرشاد الأطباء الحاذقين المسلمين وتوصياتهم. وهذا الامتثال علاجٌ مهم؛ لأن أكثر الأمراض تتولد من سوء الاستعمال، وعدم الحِمية، وإهمال الإرشاد، والإسراف، والذنوب، والسفاهة، وعدم الحذر. فالطبيب المتدين لا شك أنه ينصح ضمن الدائرة المشروعة ويقدم وصاياه، ويحذر من سوء الاستعمال والإسراف ويبث في نفس المريض التسلية والأملَ، والمريض بدوره اعتماداً على تلك الوصايا والسلوان يخفّ مرضه ويغمره الفرحُ بدلاً من الضيق والضجر.

Yükleniyor...