فهم يقولون: لو لم يقدم أستاذنا إلى هنا، ما كنا لنأخذ هذا الدرس الإيماني، فإفادته إذن هي علّةٌ لاستفادتنا نحن. وأنا أقول: يا إخوتي الأحبة، إنَّ الحق سبحانه وتعالى قد قَرَن النعمة التي أَنعمها عليّ بالتي أَنعمها عليكم، فالعلّةُ في كلتا النعمتين هي الرحمة الإلهية.

وقد كنت يوماً أَشعر بامتنان بالغ نحو طلاب يملكون قلماً سيالاً مثلكم ويسعون إلى خدمة النور. فالتبس عليّ الاقتران بالعلّة، فكنت أَقول: تُرى كيف كان ينهض في أداء خدمة القرآن الكريم مَن كان مثلي في رداءة الخط، لولا هؤلاء الطلبة؟. ولكن فَهمتُ بعدئذ أن الحق سبحانه وتعالى بعد ما أنعم عليكم النعمة المقدسة بجودة الكتابة، مَنّ عليّ بالتوفيق في السير في هذه الخدمة القرآنية، فاقترن الأمران معاً، فلا يكون أحدهما علّة للآخر قط، لذا فلا أُقدم شكري وامتناني لكم، بل أُبشّركم وأُهنئكم. وعليكم أَنتم كذلك أن تدعوا لي بالتوفيق والبركة بدلاً من الرضى والثناء.

ففي هذه المسألة ميزانٌ دقيقٌ تُعرف به درجات الغفلة والشرك الخفي.

المسألة الخامسة: كما أنه ظلمٌ عظيم إذا ما أُعطي لشخص واحد ما تملكه الجماعة، ويكون الشخص مرتكباً ظلماً قبيحاً إذا ما غصبَ ما هو وقفٌ على الجماعة، كذلك الأمر في النتائج التي تتحصل بمساعي الجماعة وعملهم، والشرف والمنزلة المترتبة على محاسن الجماعة وفضائلها، إذا ما أُسند إلى رئيسها أو أستاذها أو مرشدها يكون ظلماً واضحاً بحق الجماعة، كما هو ظلم بيّن بحق الأستاذ أو الرئيس نفسه، لأن ذلك يداعب أنانيته المستترة فيه ويسوقه إلى الغرور. فبينما هو حارسٌ بوابٌ للجماعة، إذا به يتزيا بزيّ السلطان ويُوهم الآخرين بزيّه، فيظلم نفسه. بل ربما يفتح له هذا طريقاً إلى نوع من شرك خفي. نعم، إنه لا يحق أن يأخذ آمرُ طابورٍ الغنائمَ التي حصل عليها الجنود من فتحهم قلعة حصينة، ولا يمكنه أن يسند انتصارهم إلى نفسه.

لأجل هذا يجب ألاّ يُنظر إلى الأستاذ أو المرشد على أنه المنبع أو المصدر بل ينبغي اعتباره والنظر إليه على أنه مَعكَس ومظهرٌ فحسب. كالمرآة التي تعكس إليك حرارة الشمس وضوءها، فمن البلاهة أن تتلقى المرآة كأنها مصدرٌ لهما فتنسى الشمس نفسها، ومن ثم تُولى اهتمامك ورضاك إلى المرآة بدلاً عن الشمس!.


Yükleniyor...