من الأمل والرجاء يستطيع أن يزيل أضعاف أضعاف يأسي، ويمكنه أن يبدد تلك الظلمات القاتمة من حولي.

نعم، أيها الشيوخ وأيتها العجائز المحترمون، يا مَن بدأت أوثاق صلتهم بالانفصام عن الدنيا مثلي! إنَّ الصانع ذا الجلال الذي خلق هذه الدنيا أكملَ مدينة وأنظمها، حتى كأنها قصرٌ منيف، هل يمكن لهذا الخالق الكريم ألّا يتكلم مع أحبّائه وأكرم ضيوفه في هذه المدينة أو في هذا القصر؟ وهل يمكن ألّا يقابلهم؟!!

فما دام قد خلق هذا القصر الشامخ بعلم، ونظّمه بإرادة، وزيّنه باختيار، فلابد أنه يتكلم؛ إذ كما أنَّ الباني يعلم، فالعالم يتكلم. وما دام قد جعل هذا القصر دار ضيافة جميلة بهيجة، وهذه المدينة متجراً رائعاً، فلابد أنْ يكون له كتبٌ وصحفٌ يبيّن فيها ما يريده منا، ويوضح علاقاته معنا.

ولا شك أنَّ أكمل كتاب من تلك الكتب المقدسة التي أنزلها، إنما هو القرآن الحكيم المعجز، الذي ثبت إعجازُه بأربعين وجهاً من وجوه الإعجاز، والذي يُتلى في كل دقيقة بألسنة مائة مليون شخص في الأقل، والذي ينشر النور ويهدي السبيل. والذي في كل حرفٍ من حروفه عشر حسنات، وعشر مثوبات في الأقل، وأحياناً عشرة آلاف حسنة، بل ثلاثين ألف حسنة، كما في ليلة القدر. وهكذا يمنح من ثمار الجنة ونور البرزخ ما شاء الله أن يمنح. فهل في الكون أجمع كتاب يناظره في هذا المقام، وهل يمكن أن يدّعي ذلك أحد قط؟

فما دام هذا القرآن الكريم الذي بين أيدينا هو كلام رب العالمين، وهو أمره المبلّغ إلينا، وهو منبع رحمته التي وسعت كل شيء، وهو صادر من خالق السماوات والأرض ذي الجلال، من جهة ربوبيته المطلقة، ومن جهة عظمة ألوهيته، ومن جانب رحمته المحيطة الواسعة، فاستمسك به واعتصم، ففيه دواءٌ لكل داء، ونورٌ لكلِّ ظلام، ورجاء لكل يأس.. وما مفتاح هذه الخزينة الأبدية إلّا الإيمان والتسليم، والاستماع إليه، والانقياد له، والاستمتاع بتلاوته.

الرجاء الخامس

في بداية شيخوختي ومستهلها، ورغبة منّى في الانزواء والاعتزال عن الناس، بحثَت روحي عن راحة في الوحدة والعزلة على تل «يوشع» المطل على «البسفور». فلما كنت -ذات

Yükleniyor...