وطريق النجاة من هذا الواقع الباطل الأليم، والتخلص من هذا المرض الفتاك، مرض الاختلاف الذي ألمّ بأهل الحق، هو اتخاذ النهي الإلهي في الآية الكريمة: ﹛﴿ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ ر۪يحُكُمْ ﴾|﹜ (الأنفال: ٤٦) واتخاذ الأمر الرباني في الآية الكريمة: ﹛﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوٰى ﴾|﹜ (المائدة: ٢) دستورين للعمل في الحياة الاجتماعية.. ثم العلم بمدى ما يسببه الاختلاف من ضرر بليغ في الإسلام والمسلمين وبمدى ما ييسر السبيل أمام أهل الضلالة ليبسطوا أيديهم على أهل الحق.. ثم الالتحاق بقافلة الإيمان التي تنشد الحق والانخراط في صفوفها بتضحية وفداء وبشعور نابع من عجز كامل وضعف تام، وذلك مع نُكران الذات والنجاة من الرياء ابتغاء الوصول إلى نيل شرف الإخلاص.

السبب السادس:

إنَّ اختلاف أهل الحق ليس ناشئاً من فقدان الشهامة والرجولة ولا من انحطاط الهمة وانعدام الحَمية، كما أن الاتفاق الجاد بين الغافلين الضالين الذين يبغون الدنيا في أمورهم ليس ناشئاً من الشهامة والرجولة ولا من الحَمية وعُلو الهمة. بل إن أهل الحق وجّهوا نظرهم إلى ثواب الآخرة على الأكثر، فتوزع ما لديهم من حَمية وهمة وشهامة إلى تلك المسائل المهمة والكثيرة، ونظراً لكونهم لا يصرفون أكثر وقتهم -الذي هو رأس مالهم الحقيقي- إلى مسألة معينة واحدة، فلا ينعقد اتفاقهم عقداً محكماً مع السالكين في نهج الحق، حيث إنَّ المسائل كثيرة والميدان واسع جداً.

أما الدنيويون الغافلون، فلكونهم يحصرون نظرهم حصراً في الحياة الدنيا -فهي أكبر همهم ومبلغ علمهم- تراهم يرتبطون معها بأوثق رباط وبكل ما لديهم من مشاعر وروح وقلب. فأيما شخص يمد لهم يد المساعدة يستمسكون بها بقوة، فهم يحصرون وقتهم الثمين جداً في قضايا دنيوية لا تساوي شيئاً في الحقيقة لدى أهل الحق. مثلهم في هذا كمثل ذلك الصائغ اليهودي المجنون الذي اشترى قِطعاً زجاجية تافهة بأثمان الأحجار الكريمة الباهظة. فابتياع الشيء بأثمان باهظة، وصرف المشاعر كلها نحوه يؤدي حتماً إلى النجاح والتوفيق ولو كان في طريق باطل، لأن فيه إخلاصاً جاداً.

ومن هنا يتغلب أهلُ الباطل على أهل الحق، فيفقد أهلُ الحق الإخلاصَ ويسقطون في

Yükleniyor...