الدواء الثاني والعشرون

أيها الأخ المريض بداء عضال كالشلل! إنني أبشّرك أولاً بأن الشلل يعدّ من الأمراض المباركة للمؤمن.. لقد كنت أسمع هذا منذ مدة من الأولياء الصالحين، فكنت أجهل سرّه، ويخطر الآن أحد أسراره على قلبي هكذا:

إن أهل الولاية قد تعقّبوا بإرادتهم أساسَين مهمّين للوصول إلى الحق تبارك وتعالى نجاةً من أخطار معنوية عظيمة ترد من الدنيا وضماناً للسعادة الأبدية. والأساسان:

أولهما: رابطةُ الموت، أي إنهم سعوا لأجل سعادتهم في الحياة الأبدية بالتفكر في فناء الدنيا وبأنهم ضيوف يُستخدمون لوظائف موقتة.

وثانيهما: إماتةُ النفس الأمارة بالسوء بالمجاهدات والرياضة الروحية لأجل الخلاص من مهالك تلك النفس، والأحاسيس التي لا ترى العقبى.

فيا أخي الذي فَقَد من كيانه نصفَ صحته، لقد أُودع فيك دون اختيار منك أساسان قصيران سهلان، يمهّدان لك السبيل إلى سعادتك الأبدية، ويذكّرانك دائماً بزوال الدنيا وفناء الإنسان. فلا تتمكن الدنيا بعدئذ من حبس أنفاسك وخنقك، ولا تجرؤ الغفلةُ على غشيان عيونك. فالنفس الأمارة لا تتمكن بالشهوات الرذيلة أن تخدع مَن هو نصف إنسان، فينجو من بلائها وشرها بسرعة. والمؤمن بسر الإيمان والاستسلام والتوكل يستفيد من داء عضال كالشلل بأقصر وقت استفادة المجاهدين من أهل الولاية بالرياضة في المعتكفات، فيخفّ عليه ذلك الداء .

الدواء الثالث والعشرون

أيها المريض الوحيد الغريب العاجز! إنْ كانت غربتُك وعدم وجود مَن يعيلك فضلاً عن مرضك سبباً في لفت القلوب القاسية نحوك وامتلائها بالرقة عليك، فكيف بنظر رحمة خالقك الرحيم ذي التجليات الذي يقدم نفسه إليك في بدء سور القرآن بصفته الجليلة ﹛﴿ اَلرَّحْمٰنِ الرَّح۪يمِ ﴾|﹜ والذي يجعل جميع الأمهات -بلمعةٍ من لمعات شفقته ورأفته الخارقة- يقمن بتربية أولادهن.. والذي يملأ وجه الدنيا ويصبغه في كل ربيع بتجلٍ من رحمته ويملأه بأنواع نعمه وفضله.. وبتجلٍ من رحمته كذلك تتجسم الجنةُ الزاخرة بكل محاسنها. فانتسابك إليه

Yükleniyor...