والرأس الذي يتحمل أثقالاً هائلة. فتلك اللطيفة لا تتحمل ثقلاً كالشعرة الدقيقة، أي لا تتحمل حالة هينة جداً نشأت من الضلالة ونجمت من الغفلة. بل قد تنطفئ جذوتُها وتموت.

فاحذر! وخفف الوطء، وخَفْ من الغَرق، فيغرقُ معك ألطفُ لطائفك التي تبتلع الدنيا في أكلة، أو كلمة، أو لمعة، أو إشارة، أو بقلة، أو قُبلة. فهناك أشياء صغيرة جداً تتمكن - في جهة - أن تستوعب ما هو ضخم جداً. فانظر إن شئت كيف تغرق السماء بنجومها في مرآة صغيرة، وكيف كتب الحق سبحانه في خردلة حافظتك أكثر ما في صحيفة أعمالك وأغلب ما في صحائف أعمارك. فسبحانه من قادر قيوم!.

الرمز الرابع: يا عابد الدنيا! إن دنياك التي تتصورها واسعةً فسيحةً ما هي إلّا كالقبر الضيّق، ولكن جدرانه من مرآةٍ تتعاكس فيها الصور، فتراه فسيحاً رحباً واسعاً مدّ البصر، فبينما منزلك هذا هو كالقبر تراه كالمدينة الشاسعة، ذلك لأن الجدار الأيمن والأيسر لتلك الدنيا واللذين يمثلان الماضي والمستقبل -رغم أنهما معدومان وغير موجودين- فإنهما كالمرآة تعكسان الصور في بعضهما البعض الآخر فتوسّعان وتبسطان أجنحة زمان الحال الحاضرة الذي هو قصير جداً وضيق جداً. فتختلط الحقيقة بالخيال، فترى الدنيا المعدومة موجودةً. فكما أن خطاً مستقيماً وهو في حقيقته رفيعٌ جداً، إذا ما تحرك بسرعة يظهر واسعاً كأنه سطح كبير، كذلك دنياك أنت، هي في حقيقتها ضيقة جداً، جدرانُها قد توسعت ومُدّت بغفلتك وتوهم خيالك، حتى إذا ما تحرك رأسك من جراء مصيبة أصابتك، تراه يَصدم ذلك الجدار الذي كنت تتصوره بعيداً جداً. فيطيّر ما تحمله من خيال، ويطرد نومك. وعندئذ تجد دنياك الواسعة أضيقَ من القبر، وترى زمانك وعمرك يمضي أسرع من البرق، وتنظر إلى حياتك تراها تسيل أسرع من النهر.

فما دامت الحياة الدنيا والعيش المادي والحياة الحيوانية هكذا، فانسلْ إذن من الحيوانية، ودع المادية، وادخل مدارج حياة القلب.. تجد ميدان حياةٍ أَرحب، وعالم نورٍ أَوسع مما كنت تتوهمه من تلك الدنيا الواسعة.

وما مفتاح ذلك العالم الأرحب إلّا معرفةُ الله، وإنطاقُ اللسان وتحريك القلب، وتشغيل الروح بما تفيده الكلمة المقدسة: (لا إله إلّا الله) من معانٍ وأسرار .

Yükleniyor...