الخالدة التي ستظهر في عالم البقاء والخلود. فشكرتُ الله الخالق الكريم أجزل شكر على خلقه الدنيا بهذه الصورة. بيد أن الإنسان الذي مُنح حباً مقبلاً إلى وجهَي الدنيا الحقيقيين المليحين المتوجهين إلى الأسماء الحسنى وإلى الآخرة، أخطأ المرمى وجانَب الصواب عندما استعمل تلك المحبة في غير محلها، فصرفَها إلى الوجه الفاني القبيح ذي الغفلة والضرر حتى حق عليه الحديث الشريف (حُبّ الدُّنيا رأسُ كلّ خَطيئة) . (7)

فيا أيها الشيوخ ويا أيتها العجائز!.

إنني رأيت هذه الحقيقة بنور القرآن الحكيم، وبتذكير من شيخوختي، وبما منحه الإيمانُ لبصيرتي من نور، وقد أثبتُّها في رسائل كثيرة مع براهين دامغة.. رأيت أن هذه الحقيقة هي السلوان الحقيقي لي، وهي الرجاء القوي والضياء الساطع.. فرضيتُ بشيخوختي وهرمي وسررت من رحيل الشباب.

فلا تحزنوا إذن، ولا تبكوا يا إخوتي الشيوخ على شيخوختكم بل احمدوا الله واشكروه. وما دمتم تملكون الإيمان، والحقيقة تنطق هكذا، فليبكِ أولئك الغافلون، وليحزن الضالون ولينتحبوا..

الرجاء التاسع

كُنتُ أسيراً في أثناء الحرب العالمية الأولى في مدينة قصيّة، في شمال شرقي روسيا تدعى «قوصترما». كان هناك جامع صغير للتتار على حافة نهر «فولغا» المشهور.. كنت ضَجِراً من بين زملائي الضباط الأسرى، فآثرتُ العزلة، إلّا أنه لم يكن يُسمح لي بالتجوال في الخارج دون إذن ورخصة، ثم سُمح لي بأن أظلَّ في ذلك الجامع بضمانة أهل حيّ التتار وكفالتهم، فكنت أنام فيه وحيداً، وقد اقترب الربيع، وكانت الليالي طويلة جداً في تلك البقعة النائية..

كان الأرقُ يصيبني كثيراً في تلك الليالي الحالكة السواد، المتسربلة بأحزان الغربة القاتمة، حيث لا يُسمع إلّا الخريرُ الحزين لنهر «فولغا»، والأصوات الرقيقة لقطرات الأمطار، ولوعةُ الفراق في صفير الرياح.. كل ذلك أيقظني -مؤقتاً- من نوم الغفلة العميق..

Yükleniyor...