كما أن حصول اليهود على أرزاقهم كفافاً بطرق غير مشروعة ممزوجاً بالذل والمسكنة بسبب حرصهم وتعاملهم بالربا واتباعهم أساليبَ المكر والخداع، وحصول البدويين المتحلّين بالقناعة على رزقهم الكافي وعيشهم العيش الكريم العزيز يؤيد دعوانا أيضاً تأييداً كاملاً.

كما أن تردّي كثيرٍ من العلماء (13) والأدباء (14) بما يمنحهم ذكاؤهم ودهاؤهم من الحرص في فقر مدقع وعيش كفاف، وغناء أكثر الأغبياء العاجزين وإثرائهم لما لهم من حالة فطرية قنوعة ليثبت إثباتاً قاطعاً: أن الرزق الحلال يأتي حسب العجز والافتقار لا بالاقتدار والاختيار. بل هو يتناسب تناسباً عكسياً مع الاقتدار والاختيار. ذلك أن أرزاق الأطفال تتضاءل وتبتعد ويصعب الوصول إليها كلما ازدادوا اختياراً وإرادةً واقتداراً.

نعم، إن القناعة كنز للعيش الهنيء الرغيد ومبعث الراحة في الحياة، بينما الحرص معدن الخسران والسفالة كما يتبين ذلك من الحديث الشريف: (الْقَنَاعَةُ كَنْزٌ لَا يَفْنَى). (15)

النتيجة الثالثة: إنَّ الحرص يتلف الإخلاص ويفسد العمل الأخروي؛ لأنه لو وُجد حرصٌ في مؤمن تقي لرغب في توجه الناس وإقبالهم إليه، ومن يرقب توجه الناس وينتظره لا يبلغ الإخلاصَ التام قطعاً ولا يمكنه الحصول عليه. فهذه النتيجة ذات أهمية عظمى جديرة بالدقة والملاحظة.

محصل الكلام: إنَّ الإسراف ينتج عدم القناعة أي الطمع، أما الطمع فيُخبت وهجَ الشوق والتطلع إلى العمل ويقذف بالإنسان إلى التقاعس والكسل، ويفتح أمامه أبواب الشكوى والحسرة في حياته حتى ليجعله يئن دوماً تحت مضض الشكوى والسأم. (16) كما أنه يفسد إخلاصه ويفتح دونه باباً للرياء والتصنع فيكسر عزته ويريه طريق الاستجداء والاستخذاء.

Yükleniyor...