«أن الرحمة الإلهية لتستحي من أن تردّ يداً ضارعة من شيخ مؤمن أو عجوز مؤمنة». (18) فما دامت الرحمة الإلهية تحترمكم هكذا، فعظموا إذن احترامها بعبوديتكم لله.

الرجاء الرابع عشر

جاء في مستهل «الشعاع الرابع» الذي هو تفسير للآية الكريمة:

﹛﴿ حَسْبُنَا اللّٰهُ وَنِعْمَ الْوَك۪يلُ ﴾|﹜ (آل عمران:١٧٣) ما خلاصته:

حينما جرّدني أرباب الدنيا من كل شيء، وقعت في خمسة ألوان من الغربة. ولم ألتفت إلى ما في «رسائل النور» من أنوار مسلّية ممدّة، جراء غفلة أورثها الضجرُ والضيق وإنما نظرت مباشرة إلى قلبي وتحسست روحي، فرأيت أنه يسيطر عليّ عشقٌ في منتهى القوة للبقاء، وتهيمن علىّ محبة شديدة للوجود، ويتحكم فيّ شوق عظيم للحياة.. مع ما يكمن فيَّ من عجز لا حد له، وفقر لا نهاية له. غير أن فناءً مهولاً مدهشاً، يطفئ ذلك البقاء ويزيله، فقلت مثلما قال الشاعر المحترق الفؤاد:

حكمة الإله تقضي فناء الجسد والقلب توّاق إلى الأبد

لهف نفسي من بلاء وكمد حار لقمان في إيجاد الضمد

فطأطأت رأسي يائساً... وإذا بالآية الكريمة: ﹛﴿ حَسْبُنَا اللّٰهُ وَنِعْمَ الْوَك۪يلُ ﴾|﹜ تغيثني قائلة: اقرأني جيداً بتدبر وإمعان، فقرأتها بدوري خمسمائة مرة في كل يوم، فكلّما كنت أتلوها كانت تكشف عن بعضٍ من أنوارها وفيوضاتها الغزيرة، فرأيت منها بعين اليقين -وليس بعلم اليقين- تسعَ مراتب حسبية:

المرتبة النورية الحسبية الأولى:

إنَّ ما فيّ من عشق البقاء، ليس متوجهاً إلى بقائي أنا، بل إلى وجود ذلك الكامل المطلق وإلى كماله وبقائه. وذلك لوجود ظلٍ لتجلٍ من تجليات اسمٍ من أسماء الجليل والجميل المطلق ذي الكمال المطلق، وهو المحبوب لذاته -أي دون داعٍ إلى سبب- في ماهيتي إلّا أن هذه المحبةَ الفطرية ضلّت سبيلها وتاهت بسبب الغفلة، فتشبثت بالظل وعشقت بقاءَ المرآة.


Yükleniyor...