جداً، والقبيحة، بل المظلمة والمؤلمة تماماً ليست إلّا شيخوخةَ أهل الضلالة، بل ربما عهد شبابهم كذلك.. فليبكوا.. ولينتحبوا.. وليقولوا: وا أسفاه.. وا حسرتاه!!

أما أنتم أيها الشيوخ المؤمنون الموقرون فعليكم أن تشكروا ربكم بكل فرح وسرور قائلين: «الحمد لله على كل حال!».

الرجاء الثاني عشر

بينما كنت وحيداً بلا معين في «بارلا» تلك الناحية التابعة لمحافظة «اسبارطة» أعاني الأسر المعذّب المسمى بالنفي، ممنوعاً من الاختلاط بالناس، بل حتى من المراسلة مع أيٍّ كان، فوق ما كنت فيه من المرض والشيخوخة والغربة.. فبينما كنت اضطرب من هذه الحالة وأقاسي الحزن المرير إذا بنور مسلٍّ يشعّ من الأسرار اللطيفة للقرآن الكريم ومن نكاته الدقيقة، يتفضل الحق سبحانه به علىَّ برحمته الكاملة الواسعة، فكنتُ أَعمل جاهداً بذلك النور لتناسي ما أنا فيه من الحالة المؤلمة المحزنة، حتى استطعت نسيان بلدتي وأحبتي وأقاربي.. ولكن -يا حسرتاه- لم أتمكن من نسيان واحد منهم أبداً وهو ابن أخي، بل ابني المعنوي، وتلميذي المخلص وصديقي الشجاع «عبد الرحمن» تغمده الله برحمته الذي فارقني قبل حوالي سبع سنوات، ولا أعلم حالَه كي أراسله وأتحدث معه ونتشارك في الآلام، ولا هو يعلم مكاني كي يسعى لخدمتي وتسليتي. نعم لقد كنت في أمس الحاجة -ولاسيّما في الشيخوخة هذه- إلى من هو مثل «عبدالرحمن».. ذلك الفدائي الصادق..

وذات يوم وفجأة سلّمني أحدهم رسالة، ما إن فتحتها حتى تبيّن لي أنها رسالة تُظهر شخصية «عبدالرحمن» تماماً وقد أُدرج قسم من تلك الرسالة ضمن فقرات «المكتوب السابع والعشرين» بما يظهر ثلاث كرامات واضحة.

لقد أبكتني تلك الرسالة كثيراً ولا تزال تبكيني، حيث يبيّن فيها «عبدالرحمن» بكل صدق وجدّ أنه قد عزف عزوفاً تاماً عن الأذواق الدنيوية وعن لذائذها، وأن أقصى ما يتمناه هو الوصول إليّ ليقوم برعايتي في شيخوختي هذه مثلما كنتُ أرعاه في صغره، وأن يساعدني بقلمه السيّال في وظيفتي ومهمّتي الحقيقية في الدنيا، وهي نشر أسرار القرآن الكريم، حتى إنه


Yükleniyor...