ضخامتها والتي أصبحت كأنها إنسان ضخم، إذ باتحاد تكبيرات أولئك الموحّدين في آن واحد يكون هناك تكبيرةٌ عظيمة جداً كأن الأرض تطلقها، بل كأن الأرض تتزلزل زلزالها في صلاة العيد. إذ تكبّر الله بتكبير العالم الإسلامي بأقطاره وأوتاده وتسبّحه بتسبيحهم وأذكارهم فتنوي من صميم قلب كعبتها المشرّفة التي هي قِبلتُها، وتكبّر ب «الله أكبر» بلسان عَرَفة من فم مكة المكرمة. فبتموّج صدى «الله أكبر» متمثلاً في هواء كهوف أفواه جميع المؤمنين المنتشرين في العالم بمثل تموج ما لا يحد من الصدى في كلمة واحدة من «الله أكبر» . بل تتموج تلك التكبيرات والأذكار في أقطار السماوات وعوالم البرزخ. فالحمد لله الذي جعل هذه الأرض ساجدةً عابدةً له وهيأها لتكون مسجداً لعباده ومهداً لمخلوقاته. فنحمده سبحانه ونسبّحه ونكبّره بعدد ذرات الأرض ونرفع إليه حمداً بعدد موجوداته أن جعلنا من أمة محمد ﷺ الذي علّمنا هذا النوع من العبادة.

المذكِّرة العاشرة

أيها السعيد الغافل المتخبط بسوء حاله! اعلم، أنَّ الوصول إلى نور معرفة الحق سبحانه، وإلى مشاهدة تجلياته في مرايا الآيات والشواهد والنظر إليه من مسامات البراهين والدلائل يقتضي ألّا تتجسّس بأصابع التنقيد على كل نورٍ جرى عليك، وورَد إلى قلبك، وتظاهر إلى عقلك، وألّا تنقده بيد التردد. فلا تمدّن يدك لأخذ نورٍ أضاء لك. بل تجرّد من أسباب الغفلة، وتعرّض لذلك النور، وتوجّه إليه، فإني قد شاهدت أن شواهد معرفة الله وبراهينها ثلاثة أقسام:

قسم منها: كالماء، يُرى ويُحسّ، ولكن لا يُمسك بالأصابع. ففي هذا القسم عليك بالتجرّد عن الخيالات، والانغماس فيه بكليتك، فلا تتجسس بإصبع التنقيد، فإنه يسيل ويذهب، إذ لا يرضى ماءُ الحياة ذلك ، بالإصبع محلاً.

القسم الثاني: كالهواء، يُحسّ ولكن لا يُرى، ولا يُتخذ ولا يُستمسك، فتوجَّه لنفحات تلك الرحمة، وتعرّض لها، وقابِلها بوجهك وفمك وروحك، فإنْ نظرتَ إلى هذا القسم بيد التردد والريب ومددت إليه يد التنقيد، بدلاً من الانتعاش روحياً، فإنه ينطلق، إذ لا يتخذ يدك مسكناً له ولا يرضى بها منزلاً.


Yükleniyor...