الرجاء الثاني
حينما شارفت على الشيخوخة، وفي أحد أيام الخريف، وفي وقت العصر، نظرت إلى الدنيا من فوق ذروة جبل، فشعرت فجأة حالة في غاية الرقة والحزن مع ظلام يكتنفها، تدب في أعماقي.. رأيت نفسي: أنني بلغت من العمر عتياً، والنهارُ قد غدا شيخاً، والسنةُ قد اكتهلت، والدنيا قد هرمت.. فهزّني هذا الهرم الذي يغشى كل شيء حولي هزّاً عنيفاً. فلقد دنا أوانُ فراق الدنيا، وأوشك أوان فراق الأحباب أن يحلّ.. وبينما أتململ يائساً حزيناً إذا بالرحمة الإلهية تنكشف أمامي انكشافاً حوّل ذلك الحزنَ المؤلم إلى فرحة قلبية مشرقة، وبدّل ذلك الفراق المؤلم للأحباب إلى عزاء يضيء جنبات النفس كلها.
نعم يا أمثالي من الشيوخ! إنَّ الله سبحانه وتعالى الذي يقدّم ذاته الجليلة إلينا، ويعرّفها لنا في أكثر من مائة موضع في القرآن الكريم، بصفة «الرحمن الرحيم».. والذي يرسل رحمته بما يسبغ على وجه الأرض دوماً من النِّعَم، مدداً وعوناً لمن استرحمه من ذوي الحياة، والذي يبعث بهداياه من عالم الغيب فيغمر الربيع كل سنة بنِعَم لا تعد ولا تحصى، يبعثها إلينا نحن المحتاجين إلى الرزق، مُظهِراً بها بجلاء تجليات رحمته العميمة، وفق مراتب الضعف ودرجات العجز الكامنة فينا. فرحمة خالقنا الرحيم هذه أعظم رجاءً، وأكبر أملاً في عهد شيخوختنا هذه، بل هي أسطع نوراً لنا.
إنَّ إدراك تلك الرحمة والظفر بها، إنما يكون بالانتساب إلى ذلك «الرحمن» بالإيمان، وبالطاعة له سبحانه بأداء الفرائض والواجبات.
الرجاء الثالث
حينما أفقتُ على صبح المشيب، من نوم ليل الشباب، نظرت إلى نفسي متأملاً فيها، فوجدتها كأنها تنحدر نزولاً من علٍ إلى سواء القبر، مثلما وصفها نيازي المصري(∗):
بناء العمر يذوي حجراً إثر حجر غافلاً يغط الروح وبناؤه قد اندثر
فجسمي الذي هو مأوى روحي، بدأ يتداعى ويتساقط حجراً إثر حجر على مرّ الأيام.. وآمالي التي كانت تشدّني بقوة إلى الدنيا، بدأت أوثاقُها تنفصم وتنقطع. فدبّ فيّ شعور
حينما شارفت على الشيخوخة، وفي أحد أيام الخريف، وفي وقت العصر، نظرت إلى الدنيا من فوق ذروة جبل، فشعرت فجأة حالة في غاية الرقة والحزن مع ظلام يكتنفها، تدب في أعماقي.. رأيت نفسي: أنني بلغت من العمر عتياً، والنهارُ قد غدا شيخاً، والسنةُ قد اكتهلت، والدنيا قد هرمت.. فهزّني هذا الهرم الذي يغشى كل شيء حولي هزّاً عنيفاً. فلقد دنا أوانُ فراق الدنيا، وأوشك أوان فراق الأحباب أن يحلّ.. وبينما أتململ يائساً حزيناً إذا بالرحمة الإلهية تنكشف أمامي انكشافاً حوّل ذلك الحزنَ المؤلم إلى فرحة قلبية مشرقة، وبدّل ذلك الفراق المؤلم للأحباب إلى عزاء يضيء جنبات النفس كلها.
نعم يا أمثالي من الشيوخ! إنَّ الله سبحانه وتعالى الذي يقدّم ذاته الجليلة إلينا، ويعرّفها لنا في أكثر من مائة موضع في القرآن الكريم، بصفة «الرحمن الرحيم».. والذي يرسل رحمته بما يسبغ على وجه الأرض دوماً من النِّعَم، مدداً وعوناً لمن استرحمه من ذوي الحياة، والذي يبعث بهداياه من عالم الغيب فيغمر الربيع كل سنة بنِعَم لا تعد ولا تحصى، يبعثها إلينا نحن المحتاجين إلى الرزق، مُظهِراً بها بجلاء تجليات رحمته العميمة، وفق مراتب الضعف ودرجات العجز الكامنة فينا. فرحمة خالقنا الرحيم هذه أعظم رجاءً، وأكبر أملاً في عهد شيخوختنا هذه، بل هي أسطع نوراً لنا.
إنَّ إدراك تلك الرحمة والظفر بها، إنما يكون بالانتساب إلى ذلك «الرحمن» بالإيمان، وبالطاعة له سبحانه بأداء الفرائض والواجبات.
الرجاء الثالث
حينما أفقتُ على صبح المشيب، من نوم ليل الشباب، نظرت إلى نفسي متأملاً فيها، فوجدتها كأنها تنحدر نزولاً من علٍ إلى سواء القبر، مثلما وصفها نيازي المصري(∗):
بناء العمر يذوي حجراً إثر حجر غافلاً يغط الروح وبناؤه قد اندثر
فجسمي الذي هو مأوى روحي، بدأ يتداعى ويتساقط حجراً إثر حجر على مرّ الأيام.. وآمالي التي كانت تشدّني بقوة إلى الدنيا، بدأت أوثاقُها تنفصم وتنقطع. فدبّ فيّ شعور
Yükleniyor...