الدنيا على رؤوسنا ناراً فلن ترضخ تلك الرؤوس التي افتدت الحقيقةَ القرآنية ولن تسلم القيادة للزندقة ولن تتخلّى عن مهمتها المقدسة بإذن الله».

وهكذا فلا أستبدل بسنةٍ واحدة من شيخوختي التي أنشأت حوادثُها اليأسَ والأعباءَ الثقيلة والتي أسعفها السلوانُ النزيه النابع من الإيمان والقرآن، مع ما فيها من معاناة وضيق، عشرَ سنوات بهيجة سارة من حياة شبابي. وبالأخص إذا كان كل ساعة من ساعات التائب المقيم لفرائضه في السجن بحكم عشر ساعات له من العبادة، وأن كُل يوم يمرّ بالمريض وهو مظلوم يجعل صاحبَه يفوز بثواب عشرة أيام خالدة، فكم يكون مثل هذه الحياة مبعث شكر وامتنان لله لمثلي الذي يترقب دورَه وهو على شفير القبر.

نعم، فهذا هو الذي فهمتُه من ذلك التنبيه المعنوي، فقلت: شكراً لله بلا نهاية.. وفرحت بشيخوختي ورضيت بالسجن. حيث إن العمر لا يتوقف بل يمضي مسرعاً، فإن مضى باللذة والفرح فإنه يورث الحزن والأسى؛ لأنَّ زوالَ اللذة يورث الألم، وإن مضى مشبعاً بالغفلة خاوياً من الشكر فإنه يترك بعض آثار الآثام ويفنى هو ويمضي. ولكن إذا مضى العمر بالعناء والسجن، فلكون زوالُ الألم يورث لذةً معنوية، وأن مثل هذا العمر يعدّ نوعاً من العبادة؛ لذا يظل باقياً من جهة، فيجعل صاحبَه يفوز بعمر خالد بثمرات خالدة خيّرة، ومن جهة أخرى يكون كفّارة للذنوب السابقة وتزكية للأخطاء التي سببت السجن. فمن زاوية النظر هذه على المسجونين الذين يؤدون الفرائض أن يشكروا الله تعالى ضمن الصبر.

الرجاء السادس عشر

عندما ساقوني منفياً إلى «قسطموني» (24) بعد أن أكملتُ سنة محكوميتي في سجن «أسكي شهر» وأنا الشيخ الهرم، مكثت موقوفاً هناك في مركز الشرطة حوالي ثلاثة أشهر. ولا يخفى عليكم مدى الأذى الذي يلحق بمثلي في مثل هذه الأماكن، وقد انعزل عن الناس، ولا يتحمَّل البقاءَ حتى مع أصدقائه الأوفياء، ولا يطيق أن يبدّل زيّه الذي اعتاد عليه. (25) فبينما كان اليأس يحيط بي من كل جانب، إذا بالعناية الإلهية تغيث شيخوختي، إذ أصبح أفرادُ الشرطة


Yükleniyor...