لدى بيانه لسائر الأسماء الجليلة من قصيدته «البديعية». يولي أهمية خاصة لتلك الأسماء الستة، فضلاً عما يمنحه لنا -بكرامة من الله- السلوان والعزاء أثناء بحثه لتلك الأسماء، لذا سنشير بإشارات مختصرة إلى بيان هذا النور الأعظم لاسم الله «القيوم» -كما فعلنا مع الأسماء الخمسة الأخرى- وسنجعل تلك الإشارات في خمسة أشعة.

الشعاع الأول:

إنَّ خالق هذا الكون ذا الجلال قيومٌ. أي إنه قائمٌ بذاته، دائم بذاته، باقٍ بذاته، وجميعُ الأشياء والموجودات قائمة به، تدوم به، تبقى في الوجود به، وتجد البقاء به. فلو انقطع هذا الانتسابُ للقيومية من الكون بأقل من طرفةِ عينٍ يُمحى الكونُ كله.

ثم إن ذلك الجليل مع قيوميته ﹛﴿ لَيْسَ كَمِثْلِه۪ شَيْءٌۚ ﴾|﹜ كما وصفه القرآن الكريم. أي لا نظير له ولا مثيل ولا شبيه ولا شريك: في ذاته.. في صفاته.. وفي أفعاله.

نعم، إنَّ الذي يمسك الكون كلَّه أن يزول في قبضة ربوبيته ويدير جميع شؤونه ويدبّر جميع أحواله وكيفياته بكمال الانتظام ومنتهى التدبير وغاية الرعاية، وفي سهولة مطلقة كإدارة قصر أو بيت محالٌ أن يكون له مثلٌ أو مَثيلٌ أو شريك أو شبيه.

نعم، إنَّ مَن كان خلقُ النجوم سهلاً عليه وهيناً كخلق الذرات.. ويسخّر أعظم شيء في الوجود كأصغره ضمن قدرته المطلقة.. ولا يمنع شيءٌ شيئاً عنه، ولا فعلٌ فعلاً، فالأفراد غير المحدودين نصبَ نظره كالفرد الواحد، والأصوات جميعُها يسمعها معاً، ويوفي حاجات الكل في آنٍ واحد ودفعةٍ واحدة، ولا يخرج شيء مهما كان، ولا حالةٌ مهما كانت من دائرة مشيئته ونطاق إرادته - بشهادة الأنظمة والموازين الجارية في الكون - وكما أنه لا يحدّه مكانٌ فهو بقدرته وبعلمِه حاضرٌ في كل مكان، وكما أن كل شيء بعيدٌ عنه بُعداً مطلقاً، فهو أقرب إليه من أيّ شيء.. فهذا «الحي القيوم» ذو الجلال، لابد أنه ﹛﴿ لَيْسَ كَمِثْلِه۪ شَيْءٌۚ ﴾|﹜ فلا نظير له ولا شريك ولا وزير ولا ضد ولا ندّ. بل محال في حقه كل ذلك. أما شؤونُه المنزّهة الحكيمة، فيمكن أن يُنظَر إليها بمنظار المَثَل والتمثيل (وجميع أنواع الأمثال والتمثيلات والتشبيهات الواردة في «رسائل النور» إنما هي من هذا النوع من المثل والتمثيل).

فهذا الذات الأقدس الذي لا مثيل له، وهو الواجب الوجود، والمجرّد عن المادة


Yükleniyor...