يؤديه من العبادة حتى في أثناء مرضه، فالمرض لا يمنع ثوابه). فإن المريض المؤدي للفرائض -على قدر استطاعته- سينوب المرضُ عن سائر السُنن ويحل محلّها أثناء شدة المرض نيابةً خالصة، لما يتجمل ذلك المريض بالصبر والتوكل والقيام بالفرائض، وكذا يُشعر المرضُ الإنسانَ بعجزه وضعفه، فيتضرع المريض بذلك العجز وذلك الضعف بالدعاء حالاً وقولاً. ولم يُودع الله سبحانه وتعالى في الإنسان عجزاً غير محدود وضعفاً غير متناه إلّا ليلتجئ دائماً إلى الحضرة الإلهية بالدعاء سائلاً راجياً، حيث إن الحكمة من خلق الإنسان والسبب الأساس لأهميته هو الدعاء الخالص بمضمون الآية الكريمة: ﹛﴿ قُلْ مَا يَعْبَؤُ۬ا بِكُمْ رَبّ۪ي لَوْلَا دُعَٓاؤُ۬كُمْ ﴾|﹜ (الفرقان: ٧٧) ولكون المرض سبباً للدعاء الخالص، فلا تصحُّ الشكوى منه، بل يجب الشكر لله؛ إذ لا ينبغي أن تُجَفّف ينابيعَ الدعاء التي فجّرها المرضُ عند كسب العافية.

الدواء الثالث عشر

أيها المسكين الشاكي من المرض! إنَّ المرض يغدو كنزاً عظيماً لبعض الناس، وهدية إلهية ثمينة لهم. وباستطاعة كل مريض أن يتصور مرضَه من هذا النوع، حيث إنَّ الحكمة الإلهية اقتضت أنْ يكون الأجلُ مجهولاً وقتُه، إنقاذاً للإنسان من اليأس المطلق ومن الغفلة المطلقة، وإبقاءاً له بين الخوف والرجاء، حفظاً لدنياه وآخرته من السقوط في هاوية الخسران.. أي أن الأجل متوقع مجيئُه كل حين، فإن تمكّن من الإنسان وهو سادر في غفلته يكبّده خسائر فادحة في حياته الأخروية الأبدية. فالمرض يبدد تلك الغفلة ويشتتها، وبالتالي يذكّر بالآخرة ويستحضر الموتَ في الذهن فيتأهب له. بل يحدث أن يربّحه ربحاً عظيماً، فيفوز خلال عشرين يوماً بما قد يستعصي استحصاله خلال عشرين سنة كاملة. فعلى سبيل المثال:

كان هناك فَتَيان -يرحمهما الله- أحدهما يدعى «صبري» من قرية «إيلاما» والآخر «مصطفى وزير زاده» من «إسلام كوي» ورغم كونهما أُميين من بين طلابي، فقد كنتُ ألحظُ بإعجاب موقعَهما في الصف الأول في الوفاء والصدق وفي خدمة الإيمان، فلم أدرك حكمة ذلك في حينها، ولكن بعد وفاتهما علمت أنهما كانا يعانيان من داءين عضالين، وبإرشاد من ذلك المرض أصبحا على تقوى عظيمة يسعيان في خدمة راقية، وفي وضع نافع لآخرتهما، على خلاف سائر الشباب الغافلين الساهين حتى عن فرائضهم. فنسأل الله أن تكون سنتا المرض والمعاناة اللتان قضياهما في الحياة الدنيا قد تحولتا إلى ملايين السنين من سعادة الحياة الأبدية.

Yükleniyor...