وفي ضوء هذا المثال نقول: إنْ لم يُسنَد خلقُ الموجودات والأحياء إسناداً مباشراً إلى تجليات أسماء الله الحسنى الذي هو نور السماوات والأرض يلزم الاعتقاد إذن بوجود طبيعةٍ وقوة تملكان قدرةً مطلقة وإرادة مطلقة مع علم مطلق وحكمةٍ مطلقة في كل موجود من الموجودات، ولاسيما الأحياء، أي يلزم قبولُ ألوهية وربوبية في كل موجود.
فهذا النمط من التفكير المعوج لهو أشد بطلاناً من أي محال آخر، وأكثر خرافة منه، فالذي يسند ما أبدعه الخالقُ العظيم من صنعة رائعة دقيقة، ظاهرة جلية حتى في أصغر مخلوق إلى يدِ الطبيعة الموهومة، التافهة التي لا تملك شعوراً لا شك أنه يتردى بفكره إلى درك أضل من الحيوان.
المحال الثاني: هو أنَّ هذه الموجودات التي هي في غاية الانتظام، وفي منتهى الروعة والميزان، وفي تمام الإتقان، وكمال الحكمة والاتّزان؛ إنْ لم تُسند إلى من هو قديرٌ مطلق القدرة، وحكيمٌ مطلق الحكمة، وأُسندت إلى الطبيعة، يلزم الطبيعة أنْ تحضر في كل حفنة تراب، معاملَ ومطابع بعددِ معامل أوروبا ومطابعها، كي تتمكن تلك الحفنة من أن تكون منشأ الأزهار والأثمار الجميلة اللطيفة؛ لأنَّ تلك الحفنة من التراب التي تقوم بمهمة مشتل صغير للأزهار تظهر قابلية فعلية لاستنبات وتصوير ما يلقى فيها بالتناوب من بذور جميع أزهار العالم وثماره، وبأشكالها، وهيئاتها المتنوعة، وألوانها الزاهية. فإن لم تسند هذه القابلية إلى قدرة الفاطر الجليل القادر على كل شيء.. فلابد إذن أن توجد في تلك الحفنة ماكنة معنوية طبيعية خاصة لكل زهرة من أزهار العالم وإلّا لا يمكن أن يظهر ما نشاهده من أنواع الأزهار والثمار إلى الوجود!
Yükleniyor...