قال: ذلك الشيخ المقتصد الذي لقيتُه في المفازة ذات يوم، لقد رأيتُه حقاً أعزّ مني وأكرم. (5)

النكتة الخامسة

إنَّ من كمال كرم الله سبحانه وتعالى، أنه يُذيقُ لذّة نِعَمه لأَفقر الناس، كما يذيقها أغناهم، فالفقير يستشعر اللذة ويتذوقها كالسلطان.

نعم إن اللذة التي ينالها فقير من كِسرة خبز أَسود يابس بسبب الجوع والاقتصاد تفوق ما يناله السلطان أو الثري من أكله الحلوى الفاخرة بالملل وعدم الشهية النابعين من الإسراف.

ومن العجب حقاً أن يجرؤ بعضُ المسرفين والمبذّرين على اتهام المقتصدين بالخسّة.. حاشَ لله، بل الاقتصاد هو العزة والكرم بعينه، بينما الخسةُ والذلة هما حقيقة ما يقوم به المسرفون والمبذرون من سخاء ظاهري.

وهناك حادثة جرت في غرفتي في «إسبارطة» في السنة التي تم فيها تأليف هذه الرسالة، تؤيد هذه الحقيقة وهي أنه: أصرّ أحد طلابي إصراراً شديداً على أَن أَقبل هديته التي تزن أوقيتين ونصف الأوقية (6) من العسل، خرقاً لدستور حياتي، (7) ومهما حاولت في بيان ضرورة التمسك بقاعدتي لم يقنع، فاضطررت إلى قبولها مرغماً على نية أن يشترك ثلاثةُ إخوةٍ معي في الغرفة فيها ويأكلوا منه باقتصاد طوال أربعين يوماً من شهري شعبان ورمضان المبارك، ليكسب صاحبه المُهدي ثواباً، ولا يبقوا دون حلاوة. لذا أوصيتُهم بقبول الهدية لهم علماً أنّي كانت عندي أوقية من العسل.

وبرغم أن أصدقائي الثلاثة كانوا على استقامة حقاً وممن يقدّرون الاقتصاد حق قدره، فإنهم -على كل حال- نَسوه نتيجة قيامهم بإكرام بعضهم بعضاً ومراعاتهم شعور الآخرين

Yükleniyor...