والإيثار فيما بينهم، وأمثالها من الخصال الحميدة، فأنفدوا ما عندهم من العسل في ثلاث ليالٍ فقط، فقلت مبتسماً:

- لقد كانت نيتي أن أجعلكم تتذوقون طعم العسل ثلاثين يوماً أو أكثر، ولكنكم أنفدتموه في ثلاثة أيام فقط.. فهنيئاً لكم!. في حين أنني بتّ أَصرف ما كنتُ أملكه من العسل بالاقتصاد، فتناولته طوال شهري شعبان ورمضان، فضلاً عن أنه أَصبح ولله الحمد سبباً لثواب عظيم، حيث أَعطيتُ كل واحد من أولئك الإخوة ملعقة واحدة منه (8) وقت الإفطار.

ولربما حَسِب الذين شاهدوا حالي تلك أنها خسّة، واعتبروا أَوضاع أولئك الإخوة في الليالي الثلاث حالة عزيزة من الكرم ولكن شاهَدنا تحت تلك الخسة الظاهرية عزةً عاليةً وبركة واسعة وثواباً عظيماً من زاوية الحقيقة. وتحت ذلك الكرم والإسراف -إن لم يكن قد تُرك- استجداءً وترقباً لما في أيدي الآخرين بطمع وأمثالها من الحالات التي هي أدنى بكثير من الخسة.

النكتة السادسة

هناك بون شاسع وفرق هائل بين الاقتصاد والخسة، إذ كما أن التواضع الذي هو من الأخلاق المحمودة يخالف معنىً التذللَ الذي هو من الأخلاق المذمومة مع أنه يشابهه صورة. وكما أن الوقار الذي هو من الخصال الحميدة يخالف معنىً التكبّر الذي هو من الأخلاق السيئة مع أنه يشابهه صورة.

فكذا الحال في الاقتصاد الذي هو من الأخلاق النبوية السامية بل هو من المحاور التي يدور عليها نظام الحكمة الإلهية المهيمن على الكون، لا علاقة له أبداً بالخسة التي هي مزيجٌ من السفالة والبخل والجشع والحرص. بل ليست هناك من رابطة بينهما قطعاً، إلّا ذلك التشابه الظاهري. وإليكم هذا الحدث المؤيد لهذه الحقيقة:

دخل عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما وهو أكبر أبناء الفاروق الأعظم خليفة رسول الله ﷺ وأحد العبادلة السبعة المشهورين (9) ومن البارزين بين علماء الصحابة

Yükleniyor...