فالقرآن الحكيم يقول بإعجاز، ما معناه: أنجزوا بهذا الحديد أعمالكم واسعوا للاستفادة منه بإخراجه من باطن الأرض.

وهذه الآية الجليلة تبين نوعين من النعم التي هي محور لدفع الأعداء وجلب المنافع. ولقد شوهد تحقق منافع الحديد المهمة للبشرية قبل نزول القرآن، إلّا أن القرآن يبين أن الحديد سيكون في المستقبل في صور تحيّر العقول سيراً في البحر والهواء والأرض حتى إنه يسخّر الأرض ويظهر قوة خارقة تهدد بالموت، وذلك بقوله تعالى: ﹛﴿ ف۪يهِ بَأْسٌ شَد۪يدٌ ﴾|﹜ مُظهراً لمعة إعجاز في إخبار غيبي.

∗ ∗ ∗


عندما تطرق البحث عن النكتة السابقة انفتح الكلامُ حول هدهد سليمان. فيسأل أحدُ إخواننا الذي يلح في السؤال: (7) إن الهدهد يصف الخالق الكريم سبحانه بقوله: ﹛﴿ يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمٰوَاتِ وَالْاَرْضِ ﴾|﹜ (النمل:٢٥) فما سبب ذكره في هذا المقام الجليل هذا الوصف الرقيق بالنسبة إلى الأوصاف الجليلة؟.

الجواب: إنَّ إحدى مزايا الكلام البليغ هو أن يُشعر الكلامُ صنعةَ المتكلم التي ينشغل بها. فهدهد سليمان الذي يمثل عريف الطيور والحيوانات كالبدوي العارف الذي يكشف بالفراسة الشبيهة بالكرامة مواضع الماء الخفية في صحراء جزيرة العرب الشحيحة بالماء. فهو طيرٌ ميمون مأمور بإيجاد الماء ويعمل عمل المهندس لدى سيدنا سليمان عليه السلام، فلذلك يُثبت بمقياسِ صنعتِه الدقيقة، كونَ الله معبوداً ومسجوداً له، بإخراجه سبحانه ما خبئ في السماوات والأرض، فيعرّف إثباته هذا بصنعته الدقيقة.

ألا ما أحسنَ رؤيةَ الهدهد! إذ ليس من مقتضى فطرة ما تحت التراب من المعادن والنوى والبذور التي لا تحصى، أن تخرج من الأسفل إلى الأعلى. لأنَّ الأجسام الثقيلة التي لا روح لها ولا اختيار لا تصعد بنفسها إلى الأعلى، وإنما تسقط من الأعلى إلى الأسفل. فإخراج جسم مخفي تحت التراب، من الأسفل إلى الأعلى ونفض التراب الثقيل الجسيم من على كاهله الجامد لابد أن يكون بقدرة خارقة لا بذاته. فأدرك الهدهد أخفى براهين كون الله تعالى معبوداً ومسجوداً له وكشفَها بعارفيته ووجَد أهم تلك البراهين بصنعته، والقرآن الحكيم منح إعجازاً بالتعبير عنه.

Yükleniyor...