حالةٌ فطرية يشعر بها كل إنسان، فإذا ما فكر المصاب -علاوة على هذا- بما أدّخر له ربُّه الكريم من ثوابٍ جميل وجزاءٍ حَسن في الآخرة وتأملَ في تحوُّل عمره القصير بالمصائب إلى عمر مديد فإنه لا يصبر على ما انتابه من ضُرّ وحده، بل يرقى أيضاً إلى مرتبة الشكر لله والرضا بقَدَره، فينطلق لسانُه حامداً ربَّه وقائلاً: «الحمد لله على كلِّ حال سوى الكفر والضلال».
ولقد سار مثلا عند الناس: «ما أطولَ زمنَ النوائب!». نعم، هو كذلك ولكن ليس بالمعنى الذي في عُرفِ الناس وظنِّهم من أنه طويل بما فيه من ضيق وألَم، بل هو طويلٌ مديد كالعمر الطويل بما يُثمر من نتائج حياتية عظيمة.
النكتة الرابعة
لقد بينّا في «المقام الأول للكلمة الحادية والعشرين»: أنَّ الإنسان إنْ لم يشتّت ما وهَبه البارئ سبحانه من قوةِ الصبر، ولم يبعثرها في شعاب الأوهام والمخاوف، فإنّ تلك القوة يمكن أن تكون كافيةً للثبات حيال كل مصيبة وبلاء، ولكن هيمنةَ الوهم وسيطرةَ الغفلة عليه والاغترارَ بالحياة الفانية كأنها دائمة.. يؤدي إلى الفتّ من قوة صبره وتفريقها إلى آلام الماضي ومخاوف المستقبل، فلا يكفيه ما أودعه الله من الصبر على تحمّل البلاء النازل به والثبات دونه، فيبدأ ببث الشكوى حتى كأنه يشكو الله للناس، مبدياً من قلة الصبر ونفاده ما يشبه الجنون. فضلاً عن أنه لا يحق له أن يجزع جزعَه هذا أبداً؛ ذلك لأن كل يوم من أيام الماضي -إن كان قد مضى بالبلاء- فقد ذهب عسرُه ومشقتُه وتركَ راحتَه، وقد زال تعبُه وألَمُه وترك لذتَه، وقد ذهب ضنكُه وضيقُه وثبت أجرُه، فلا يجوز إذن الشكوى منه، بل ينبغي الشكر لله تعالى عليه بشوق ولهفة. ولا يجوز كذلك الامتعاضُ من المصيبة والسخط عليها بل ينبغي ربطُ أواصر الحب بها؛ لأن عمر الإنسان الفاني الذي قد مضى يتحول عمراً سعيداً باقياً مديداً بما يعاني فيه من البلاء. فمن البلاهة والجنون أن يبدد الإنسانُ قسماً من صبره ويهدره بالأوهام والتفكر في البلايا التي مضت والآلام التي ولّت. أما الأيام المقبلة، فحيث إنها لم تأت بعدُ ومجهولةٌ مبهمة، فمن الحماقة التفكرُ فيها من الآن والجزعُ عمّا يمكن أن يصيب الإنسان فيها من مرض وبلاء. فكما أنه حماقةٌ أن يأكل الإنسانُ اليوم كثيراً من الخبز ويشرب كثيراً من الماء لما يمكن أن يصيبَه من الجوع والعطش في الغد أو بعد غد، كذلك التألّم والتضجرُ من الآن لما يمكن أن يُبتلى به في
ولقد سار مثلا عند الناس: «ما أطولَ زمنَ النوائب!». نعم، هو كذلك ولكن ليس بالمعنى الذي في عُرفِ الناس وظنِّهم من أنه طويل بما فيه من ضيق وألَم، بل هو طويلٌ مديد كالعمر الطويل بما يُثمر من نتائج حياتية عظيمة.
النكتة الرابعة
لقد بينّا في «المقام الأول للكلمة الحادية والعشرين»: أنَّ الإنسان إنْ لم يشتّت ما وهَبه البارئ سبحانه من قوةِ الصبر، ولم يبعثرها في شعاب الأوهام والمخاوف، فإنّ تلك القوة يمكن أن تكون كافيةً للثبات حيال كل مصيبة وبلاء، ولكن هيمنةَ الوهم وسيطرةَ الغفلة عليه والاغترارَ بالحياة الفانية كأنها دائمة.. يؤدي إلى الفتّ من قوة صبره وتفريقها إلى آلام الماضي ومخاوف المستقبل، فلا يكفيه ما أودعه الله من الصبر على تحمّل البلاء النازل به والثبات دونه، فيبدأ ببث الشكوى حتى كأنه يشكو الله للناس، مبدياً من قلة الصبر ونفاده ما يشبه الجنون. فضلاً عن أنه لا يحق له أن يجزع جزعَه هذا أبداً؛ ذلك لأن كل يوم من أيام الماضي -إن كان قد مضى بالبلاء- فقد ذهب عسرُه ومشقتُه وتركَ راحتَه، وقد زال تعبُه وألَمُه وترك لذتَه، وقد ذهب ضنكُه وضيقُه وثبت أجرُه، فلا يجوز إذن الشكوى منه، بل ينبغي الشكر لله تعالى عليه بشوق ولهفة. ولا يجوز كذلك الامتعاضُ من المصيبة والسخط عليها بل ينبغي ربطُ أواصر الحب بها؛ لأن عمر الإنسان الفاني الذي قد مضى يتحول عمراً سعيداً باقياً مديداً بما يعاني فيه من البلاء. فمن البلاهة والجنون أن يبدد الإنسانُ قسماً من صبره ويهدره بالأوهام والتفكر في البلايا التي مضت والآلام التي ولّت. أما الأيام المقبلة، فحيث إنها لم تأت بعدُ ومجهولةٌ مبهمة، فمن الحماقة التفكرُ فيها من الآن والجزعُ عمّا يمكن أن يصيب الإنسان فيها من مرض وبلاء. فكما أنه حماقةٌ أن يأكل الإنسانُ اليوم كثيراً من الخبز ويشرب كثيراً من الماء لما يمكن أن يصيبَه من الجوع والعطش في الغد أو بعد غد، كذلك التألّم والتضجرُ من الآن لما يمكن أن يُبتلى به في
Yükleniyor...