الدواء السادس (4)
أيها الأخ المضطرب من المرض بتذكر أذواق الدنيا ولذائذها! لو كانت هذه الدنيا دائمةً فعلاً، ولو انزاح الموت عن طريقنا فعلاً، ولو انقطعت أعاصيرُ الفراق والزوال عن الهبوب بعد الآن، ولو تفرغ المستقبل العاصف بالنوائب عن مواسم الشتاء المعنوية، لانخرطتُ في صفك ولرثيتُك باكياً لحالك. ولكن مادامت الدنيا ستخرجنا منها قائلة: «هيا اخرجوا..!.» صامّة آذانَها عن صراخنا واستنجادنا. فعلينا نحن قبل أن تطردنا هي نابذة لنا، أن نهجر عشقَها والإخلاد إليها من الآن، بإيقاظات الأمراض والسعي لأجل التخلي عن الدنيا قلباً ووجداناً قبل أن تتخلى هي عنّا.
نعم، إن المرض بتذكيره إيانا هذا المعنى اللطيف والعميق، يهمس في سرائر قلوبنا قائلاً:
«بنيتُك ليست من الصُلبِ والحديد بل من موادَّ متباينةٍ مركبة فيك، ملائمة كل التلاؤم للتحلل والتفسخ والتفرق حالاً، دع عنك الغرور وأدرك عجزَك وتعرّف على مالكك، وافهم ما وظيفتُك وتعلّم ما الحكمة والغاية من مجيئك إلى الدنيا؟».
ثم ما دامت أذواق الدنيا ولذاتُها لا تدوم، وبخاصة إذا كانت غيرَ مشروعة، بل تبعث في النفس الألمَ وتكسبه ذنباً وجريرة، فلا تبك على فقدك ذلك الذوق بحُجة المرض، بل تفكّر
Yükleniyor...