والطبيعة المنتظمة المنسقة المختلفة . وهكذا تستمر سلسلةُ موهومة ممتنعة لا معنى لها ولا نهاية! وهذا من أعجب عجائب الجهل وأتعسه!!

الإشارة الخامسة:

لقد أثبتنا في مواضع متعددة من الرسائل وببراهين دامغة: أن الاستقلال والانفراد من أخص خصائص الحاكمية، حتى إن هذا الإنسانَ الذي هو عاجزٌ عجزاً شديداً، ولا يملك من الحاكمية سوى ظل باهت، نراه يردّ بكل قوة أيَّ فضول كان من الآخرين، ويرفض بكل شدة أي تدخل كان منهم في شؤونه، صوناً منه لاستقلاله وانفراده في الأمر. بل ذُكِر في التاريخ أن كثيراً من السلاطين قد سفكوا دماءً زكية لأبنائهم الأبرياء وإخوانهم الطيبين حينما شعروا بتدخلٍ منهم في شؤونهم.

إذن فالاستقلال والانفراد ورفضُ مداخلة الآخرين هو من أخصّ خصائص الحاكمية الحقة، لا فكاك لها عنه. بل هو لازمها ومقتضاها الدائم. فالحاكمية الإلهية التي هي في ربوبية مطلقة تردّ بكل شدة الشرك والاشتراك مهما كان نوعه، ولا تقبل تدخلاً ما من سواها قط. ومن هنا نرى القرآن الكريم يفيض في بيان التوحيد الخالص ويردّ الشرك والمشاركة بأسلوب شديد وبتهديد مروّع.. فكما اقتضت الحاكمية الإلهية -التي هي في الربوبية المطلقة- التوحيدَ والوحدانية بقطعية تامة، وأظهرت مقتضىً شديداً وداعياً قوياً لها، كذلك النظامُ المتقن والانسجامُ البديع المشاهَدان في الكون -ابتداءً من النجوم والنباتات والحيوانات والأرض والمعادن وانتهاء بالجزئيات والأفراد والذرات- كلٌّ منهما شاهدُ عدلٍ، وبرهان باهر على تلك الوحدانية والفردية، فلا يسمح قط لريبة أو لشبهة، إذ لو كان هناك تدخل مما سوى الواحد الأحد، لفسد هذا النظام البديع الرصين، واختل هذا التوازن المحكم المشاهَد في جميع أجزاء الكون، فصدق الله العظيم الذي قال: ﹛﴿ لَوْ كَانَ ف۪يهِمَٓا اٰلِهَةٌ اِلَّا اللّٰهُ لَفَسَدَتَاۚ ﴾|﹜ (الأنبياء: ٢٢)

نعم، لو كان هناك أي تدخل مهما كان لظهرت آثارُه باديةً، إلّا أن الدعوة الصريحة في الآية الكريمة: ﹛﴿ فَارْجِعِ الْبَصَرَۙ هَلْ تَرٰى مِنْ فُطُورٍ ﴾|﹜ (الملك: ٣) تريك هذا النظام البديع بكل وضوح وجلاء حتى لا ترى ثغرةً ولا لبساً ولا نقصاً في جهة من الجهات ابتداءً من الذرات إلى المجرات.

Yükleniyor...