ولقد أعطتني تجاربي الخاصة القناعةَ التامة أن رزقَ الصغار مثلما يأتي بناءً على عجزهم، وترسله الرحمةُ الإلهية لهم بشكل خارق، فتفجّر ينابيعَ الأثداء وتسيّلها لهم سيلاً، فإن رزق الشيوخ المؤمنين الذين اكتسبوا العصمةَ يُرسل إليهم من قبل الرحمة على صورة بركة، وأن عمود البركة لأي بيت وسندَها إنما هو أولئك الشيوخ الذين يأهلونه، وأن الذي يحفظ ذلك البيت من البلايا والمصائب إنما هم أولئك الشيوخ الركّع الذين يعمرونه. يثبت هذه الحقيقة إثباتاً كاملاً جزء من حديث شريف: (لولا الشيوخ الركع لصبّ عليكم البلاء صبّاً). (8) وهكذا فما دام الضعفُ والعجز اللذان في الشيخوخة يصبحان محورين لجلب الرحمة الإلهية الواسعة، وأن القرآن الكريم يدعو الأولاد إلى الاحترام والرأفة بالوالدين في خمس مراتب، وبأسلوب غاية في الإعجاز، في قوله تعالى:

﹛﴿ اِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ اَحَدُهُمَٓا اَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَٓا اُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَر۪يمًا ❀ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَان۪ي صَغ۪يرًا ﴾|﹜ (الإسراء: ٢٣-٢٤).

وما دام الإسلام يأمر بتوقير الشيوخ والرحمة بهم، والفطرةُ الإنسانية تقضي الاحترام والرحمة تجاه الشيوخ.. فلابد لنا -نحن الشيوخ- ألّا نستبدل شيخوختنا هذه بمائة عهد من عهود الصبا؛ ذلك لأنَّ لنا فيها أذواقاً معنوية دائمة جديرة، بدلاً من الذوق المادي الناشئ من نزوة الشباب، حيث نأخذ أذواقاً روحية نابعة من الرحمة الصادرة من العناية الإلهية ومن الاحترام النابع من فطرة الإنسانية.

نعم، إني أُطمئنكم بأنه لو أُعطيتُ عشر سنوات من عهد شباب «سعيد القديم» فلن استبدلها بسنة واحدة من شيب «سعيد الجديد». فأنا راضٍ عن شيخوختي، فارضوا عنها أنتم كذلك..

الرجاء العاشر

بعدما رجعت من الأسر، سيطرت الغفلةُ عليّ مرة أخرى طوال سنتين من حياتي في إستانبول، حيث الأجواءُ السياسية وتياراتها صرفت نظري عن التأمل في نفسي، وأحدثت تشتتاً في ذهني وفكري.


Yükleniyor...