ولعدم إدراك هذه الحكمة، يقع الكثيرون فريسةَ الريب والشك عند عدم وجدانهم تلك الفوائد التي رُويت عن الأقطاب والسلف الصالحين، بل قد ينكرونها.

المسألة الثالثة: «طُوبٰى لِمَنْ عَرَفَ حَدَّهُ وَلَمْ يَتَجَاوَزْ طَوْرَهُ». (5)

إنَّ هناك تجليات للشمس على كل شيء. ابتداءً من أَصغر ذرة وبلورة زجاج وقطرة ماء ومن الحوض الكبير والبحر العظيم، وانتهاءً بالقمر والكواكب السيارة. كلٌّ منها يعرف حدّه ويطبع على نفسه انعكاسَ الشمس وصورتَها حسب قابليته. فتستطيع قطرةُ ماءٍ أن تقول: عندي انعكاسٌ للشمس، وذلك حسب قابليتها. ولكن لا تجرؤ على القول: أنا مرآة للشمس كالبحر.

كذلك الأمر في مقامات الأولياء، ففيها مراتبُ عدّة، حسب تنوّع تجليات الأسماء الإلهية الحسنى، فكلُّ اسم من الأسماء الحسنى له تجلياتٌ -كالشمس في المثال- ابتداءً من القلب وانتهاءً بالعرش. فالقلب عرشٌ، ولكن لا يستطيع أن يقول: «أنا كالعرش الأعظم». ومن هنا كان السالك في سبيل الفخر والغرور يلتبس عليه الأمر فيجعل قلبَه الصغير جداً كالذرة مساوياً للعرش الأعظم، ويعتبر مقامه الذي هو كالقطرة كفواً مع مقام الأولياء العظام الذي هو كالبحر. فبدلاً من أن يصرف همّه لمعرفة أساس العبادة الذي هو العجز والفقر وإدراك تقصيره ونقصه أمام بارئه القدير والتضرع أمام عتبة ألوهيته سبحانه والسجود عندها بكل ذل وخضوع، تراه يبدر منه التصنّعُ والتكلف لأجل أن يلائم نفسه ويحافظ عليها مع مستوى تلك المقامات السامية، فيقع فيما لا طائل وراءه من الغرور والأنانية والمشاكل العويصة.

الخلاصة: لقد ورد في الحديث الشريف: «هَلَكَ النَّاسُ إلَّا الْعَالِمُونَ وَهَلَكَ الْعَالِمُونَ إلَّا الْعَامِلُونَ وَهَلَكَ الْعَامِلوُنَ إلَّا الْمُخْلِصُونَ وَالْمُخْلِصُونَ عَلٰى خَطَرٍ عَظِيمٍ». (6) أي إن محور النجاة ومدارها الإخلاص، فالفوز به إذن أمر في غاية الأهمية لأن ذرةً من عمل خالص أفضل عند الله من أطنانٍ من الأعمال المشوبة. فالذي يجعل الإنسان يحرز الإخلاص هو تفكّره في

Yükleniyor...